أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، عن نقل كافة سلطاته بلا رجعة إلى مجلس الرئاسة اليمني، الذي أعلن عن تشكيله لحكم البلاد، بالتزامن مع قراره عزل نائبه القوي اللواء محسن الأحمر، الذي يوصف بأنه مقرب للإسلاميين.
وبث التلفزيون اليمني، فجر الخميس 7 نيسان 2022، كلمة الرئيس هادي، قال فيها “أفوض مجلس قيادة الرئاسة بموجب هذا الإعلان تفويضاً لا رجعة فيه بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.
ورحَّبت المملكة العربية السعودية بالقرار، وأكدت دعمها الكامل لمجلس القيادة الرئاسي اليمني والكيانات المساندة له، لتمكينه من ممارسة مهامه في تنفيذ سياسات ومبادرات فعالة، من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية، وإنهاء الأزمة اليمنية”.
وأعلنت الرياض عن تخصيص 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد اليمني، و300 مليون دولار لمبادرة الأمم المتحدة الإنسانية بشأن اليمن، كما استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس المجلس الجديد وأعضاءه.
ويعتقد أن الهدف من إنهاء حكم هادي وتشكيل مجلس الرئاسة اليمني هو التمهيد للجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإحياء المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، خاصة أن قرار تشكيل المجلس يتيح إمكانية توسيعه.
ودخلت هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد في اليمن حيز التنفيذ، مساء السبت 2 أبريل/نيسان 2022، مع بداية شهر رمضان، في بارقة أمل نادرة في الصراع الذي مزَّق أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
وكلَّف هادي في قراره الأخير مجلسَ القيادة الرئاسي بـ”التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية، والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل، يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام”.
كما قرر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تشكيل هيئة يمنية للتشاور والمصالحة، تتكون من خمسين عضواً، وتجمع مختلف المكونات، لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية، وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى، والتوصل لسلام يُحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء البلاد.
ووفقاً للقرار، يحق لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني تعيين من يراه من الكفاءات الوطنية لعضوية هذه الهيئة عند الحاجة، على ألّا يزيد عدد الأعضاء عن مئة عضو.
سيضطلع مجلس الرئاسة اليمني بمهام “إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية”.
وتشمل الصلاحيات والاختصاصات التي يتولاها رئيس مجلس الرئاسة اليمني حصراً، القيادة العليا للقوات المسلحة، وتمثيل الجمهورية في الداخل والخارج، وتعيين محافظي المحافظات، ومديري الأمن، وقضاة المحكمة العليا، ومحافظ البنك المركزي، وإرسال البعثات الدبلوماسية، وتعيين واستدعاء السفراء طبقاً للقانون، وذلك بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
وتضمَّن القرار تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء اليمن، وتهيئة الظروف، واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة، في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن. إضافة إلى تعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات وتحقيق الشراكة الواسعة.
وجدَّد الإعلان الرئاسي الثقة بالحكومة المُشكّلة بموجب اتفاق الرياض، مع قيام مجلس القيادة الرئاسي باتخاذ ما يراه بموجب صلاحياته، لإجراء تعديلات أو تغييرات في الحكومة، أو تشكيل حكومة جديدة.
ونصَّ إعلان هادي على أن يكون مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد محمد العليمي، وبعضوية 7 أعضاء هم سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني، وكلهم لهم نفوذ سياسي وعسكري على الأرض في اليمن.
يعكس المجلس ما يمكن تقسيماً للنفوذ بين السعودية والإمارات، وكذلك محاولة لإرضاء العناصر الانفصالية الجنوبية مع إعطاء دور ولكن ليس كبيراً لحزب الإصلاح الإسلامي، الذي لعب دوراً كبيراً في دعم جهود حكومة عبد ربه منصور هادي في محاربة الحوثيين، وأحياناً الانفصاليين في الجنوب.
وكان لافتاً في هذا الصدد عزل منصور في قرار منفصل اللواء علي محسن الأحمر، الذي يحظى بشعبية كبيرة في البلاد، منذ انحيازه للثورة اليمنية عام 2011، ودوره في محاربة الحوثيين، والرجل معروف عنه علاقته المعتدلة مع الإسلاميين، خاصةً مع حزب الإصلاح.
ووصف رئيس الدائرة الإعلامية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، علي الجرادي، تشكيل “مجلس رئاسي توافقي” برئاسة رشاد العليمي، بأنه يُنهي الصراعات السياسية والبينية بين مكونات الشرعية، ويجدد الأمل في توحد الجهود السياسية والمكونات العسكرية لمواجهة ما وصفه بالانقلاب، واستعادة الدولة اليمنية، وتوفير الخدمات والاستقرار، وعودة السلطات لممارسة صلاحياتها من الداخل.
رئيس المجلس مقرب للسعودية، ولديه صلات بكل القوى السياسية
رئيس المجلس رشاد العليمي، المولود في محافظة تعز (وسط اليمن) عام 1954 سيكون الرئيس الثالث لليمن منذ توحيده عام 1990، إذ سبقه كل من علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي.
والعليمي هو ضابط برتبة لواء، قادم من خلفية أمنية أكاديمية، إذ عمل أستاذاً بجامعة صنعاء، وتدرَّج في عدة مناصب أمنية في وزارة الداخلية، وعُين إبان حكم صالح وزيراً للداخلية، ونائباً لرئيس الحكومة لشؤون الدفاع والأمن، ووزيراً للإدارة المحلية.
كما عُين العليمي -الذي كان مقرباً من صالح، قبل أن ينشق عنه مع بداية عمليات التحالف في اليمن- مستشاراً لهادي، وخلال سنوات الحرب ظل مقيماً بين العاصمتين السعودية الرياض والمصرية القاهرة.
ويتمتع العليمي بعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية والجماعات السياسية الأخرى داخل اليمن، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد برس “AP” الأمريكية.
ومؤخراً طُرح اسمه كثيراً خلال الأزمات التي عصفت بالرئاسة اليمنية والحكومة، كما كان يحظى بتقدير في الوسط الأمني حين تولى قيادة الداخلية، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة نت.
واللافت أن كل الشخصيات المعينة في المجلس قادمة من خلفيات مختلفة، وكان لها دور فاعل خلال سنوات الحرب.
ويتصدر تلك الشخصيات محافظ مأرب، المعقل الأخير للحكومة شمالي اليمن، اللواء سلطان العرادة، الذي يقود القتال المستمر ضد الحوثيين منذ 2015، ويحظى بتوافق كبير من الأحزاب والقيادات العسكرية المناهضة للحوثيين.
ويدير العرادة المحافظة الغنية بالنفط والغاز، وخلال سنوات الحرب استطاع أن يجعل من مدينة مأرب الصغيرة -التي تضم قرابة 300 ألف يمني قبل الحرب- مقصداً لليمنيين والنازحين، إذ يبلغ سكانها الآن أكثر من 3 ملايين يمني، وفق السلطات المحلية.
محافظ حضرموت جنَّب منطقته الحرب الأهلية
كما يضم المجلس محافظ حضرموت (جنوب شرقي البلاد) اللواء فرج البحسني، وهو عسكري سابق في جيش دولة جنوب اليمن، أعاده الرئيس هادي من السعودية وعيّنه قائداً للمنطقة العسكرية الثانية عام 2015، قبل أن يضيف له منصب محافظ المحافظة عام 2017.
ويُتهم البحسني بفشل الإدارة، وتشهد المحافظة بشكل دائم احتجاجات غاضبة تنديداً بتردي الخدمات الأساسية، غير أنه يحسب له تجنيب المحافظة دوامة الصراع، التي ضربت المحافظات الجنوبية.
وضُم إلى المجلس عثمان مجلي، عضو البرلمان عن حزب المؤتمر الشعبي (حزب الرئيس علي عبد الله صالح)، ووزير الدولة والزراعة السابق، ويُعرف الرجل المنحدر من محافظة صعدة (شمالي اليمن) بقربه من السعودية، كما أنه واحد من أبرز الشخصيات التي خاضت مواجهات ضد جماعة الحوثيين منذ الحرب الأولى عام 2004.
العضو الرابع في المجلس هو عبد الله العليمي، وينحدر من محافظة شبوة (جنوب شرق)، وسطع نجمه منذ بدء الحرب عقب تعيينه مديراً لمكتب الرئيس هادي، وينظر له أنه مقرب من حزب الإصلاح الإسلامي
أعضاء موالون للإمارات
الأعضاء الثلاثة الباقون في المجلس يجمعهم الولاء للإمارات، رغم تضارب أهدافهم ومصالحهم مؤخراً، وهم:
زعيم الانفصاليين الجنوبيين
عيدروس الزبيدي هو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب اليمن، وهي مجموعة شاملة من الميليشيات المدججة بالسلاح والممولة بشكل جيد، والتي تدعمها الإمارات منذ عام 2015.
والزبيدي كان أحد القيادات العسكرية في جيش اليمن الجنوبي، قبل أن يصبح مطارداً من نظام الرئيس صالح، عقب حرب الوحدة عام 1994، وبرز اسمه خلال اجتياح الحوثيين عدن وجنوب البلاد، إذ قاد قوات من المقاومة التي أجبرت الحوثيين على الانسحاب.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني بعد تشكيل المجلس/ رويترز
وعينه هادي محافظاً للعاصمة المؤقتة عدن قبل أن يقيله، ليتجه مع آخرين إلى تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم وتمويل من الإمارات، كما يقود تشكيلات عسكرية كبيرة أنشأتها أبوظبي، مثل الحزام الأمني وألوية الدعم والإسناد التي خاضت مواجهات ضد القوات التابعة للحكومة، لتسيطر في النهاية على عدن وعدد من المحافظات.
وهناك قائد المقاومة الوطنية طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح. ولقد شغل صالح خلال حكم عمه رئاسة جهاز الأمن القومي (الاستخبارات)، ومع اندلاع الحرب اصطفَّ إلى جانب الحوثيين، وقاتل بضراوة قوات التحالف بقيادة السعودية والقوات الحكومية.
لكن عقب فكّ عرى تحالف عمه مع الحوثيين، وانتهائه بمقتل صالح على أيديهم نهاية 2017، اضطر طارق صالح للفرار، وبعد فترة ظهر مجدداً، ثم عاد إلى عدن بحماية إماراتية، لينتقل إلى الساحل الغربي، وشكل هناك بدعم إماراتي قوات المقاومة الوطنية.
وخلال السنوات الثلاث الماضية أنشأ طارق صالح مكتباً سياسياً، ونصّب نفسه رئيساً، ورفض الاعتراف بسلطة الرئيس هادي حتى الأيام الأخيرة، إذ بدأ يشير ضمناً إلى شرعية هادي.
قائد لواء العمالقة السلفي
وكان العضو الأخير في المجلس مفاجأة، وهو قائد ألوية العمالقة ذات التوجه السلفي عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي.
إذ يعد أبو زرعة المحرمي قائداً لفصيل عسكري لَطالما قدَّم نفسه أنه لا يسعى إلى منصب سياسي، كما أن الرجل -الذي يظهر للمرة الأولى على وسائل الإعلام- عُين قائداً لقوات العمالقة من قِبل الإمارات، رغم معارضة عدد من القيادات العسكرية.
رد فعل الحوثيين
وصف بيتر سالزبوري، الخبير اليمني في مجموعة الأزمات الدولية، عملية نقل السلطة بأنها “صفقة كبيرة”، وغرّد قائلاً هذا التطور هو “التحول الأكثر أهميةً في الأعمال الداخلية للكتلة المناهضة للحوثيين منذ بدء الحرب”.
وفي مقابلة مع الجزيرة، اعتبر عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي، أن مجلس القيادة اليمني الجديد غير شرعي.
كما نشر البخيتي تغريدةً على تويتر، تساءل فيها عن سبب اختيار رشاد العليمي لرئاسة مجلس القيادة الجديد.
وتحدث القيادي الحوثي عن نقاش جرى بينه وبين العليمي خلال الحوار الوطني اليمني عامي 2013 و2014، وقال إن الأخير رفض مشروع قرار عرضه الحوثيون، يقضي بمنع وجود القوات الأمريكية في اليمن بحجة مكافحة الإرهاب.