Site icon IMLebanon

البابا يزور لبنان لتكريس نهائيته ووحدته… ولرئيس جديد “مستقلّ”

كتب منير الربيع في “المدن”:

زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان ثابتة. آمال كبيرة تعلّق عليها. وأفكار كثيرة مطروحة. فبعض اللبنانيين يعتبر أن البابا سيأتي حاملًا مبادرة، ويعتبر آخرون أنه سيدعو إلى عقد مؤتمر دولي حول لبنان، كما كان يدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي. إلا أن الزيارة رعوية أولًا، وثانيًا ذات بعد يتعلق بالاهتمام بلبنان، والحفاظ عليه موحدًا بتعايش جميع أبنائه.

لقاء البابا والبطريرك

في ضوء التسريبات التي تحدثت عن الزيارة نقلت صحيفة NG (نبزافيسيمايا غازيتا) احتمال أن يكون لبنان “المكان الحقيقي للقاء البابا فرنسيس مع البطريرك كيريل”، رأس الكنيسة الروسية، أشارت الصحيفة إلى أن الحبر الأعظم صرح على متن الطائرة في طريق عودته من مالطا في 4 من الشهر الجاري، أن اللقاء بالبطريرك كيريل قد يجري في الشرق الأوسط.

وبعد يوم واحد، أصبح معروفًا أن البابا فرنسيس سيزور لبنان في 12 حزيران المقبل. كما تقول الصحيفة إن التصريحات الأخيرة لممثلي الكنيستين الروسية والكاثوليكية تتفق بأن مسيحيي الشرق الأوسط هم الأكثر معاناة. ولا تأكيدات بهذا الشأن حتى الآن.

أخطاء بروتوكولوية

مع إعلان لبنان عن تبلغه بزيارة البابا حصل نوع من الخطأ البروتوكولي. ففي العادة البابا هو الذي يعلن عن موعد الزيارة إلى الوجهة التي يريد زيارتها، ولم يكن يتوجب على الدولة المضيفة الإعلان عن الزيارة، بل عليها الترحيب بالإعلان البابوي فقط. هذا الخطأ البروتوكولي الذي تعتبر الدوائر الفاتيكانية أن رئاسة الجمهورية اللبنانية وقعت فيه، كان قد سبقه خطأ بروتوكولي آخر اقترفه الرئيس سعد الحريري في الفاتيكان لدى زيارته الأخيرة. يومها اصطحب الحريري معه قناة تلفزيونية لبنانية وأدلى بتصريح من داخل الصرح الفاتيكاني. وهذا لا يمكن حصوله حسب البروتوكول، لأن الدوائر الفاتيكانية هي التي تكتفي بإصدار البيان أو الموقف.

وانطوى تصريح الحريري يومها على مهاجمة رئيس الجمهورية ميشال عون، فحصل غضب فاتيكاني، لأنه لا يمكن استخدام الكرسي الرسولي لإطلاق تصريحات ومواقف سياسية. ومرد الغضب الفاتيكاني من لبنان هو محاولة كل طرف يشعر بمأزق سياسي تجيير مواقف فاتيكانية لصالحه.

تجيير الزيارة سياسيًا

هذا ما حصل اليوم باستثمار الإعلان عن الزيارة، فيما كل طرف يحاول أن يجيرها لصالحه السياسي. وهذا لا ينفصل عن الإشارة إلى أن هناك اختلافًا بين الفاتيكان وبكركي، وأن الفاتيكان نصح البطريرك الراعي بتغيير وجهة مواقفه وسياسته والتفاوض مع حزب الله. وهذا ما نفاه البطريرك علنًا.

هذه الدعايات السياسية هدفها تصوير زيارة البابا وكأنها تصب في صالح فريق على حساب الآخر. فحزب الله وحلفاؤه يراهنون على الانتصار في الانتخابات النيابية، ويحاولون تصوير زيارة البابا مباركة للنتائج التي سيحققونها. وهذا غير صحيح على الإطلاق، فيما تبدو الساحة المسيحية مشتتة سياسيًا، سواء في الصراع بين الأفرقاء المسيحيين المعارضين لحزب الله، وحتى بين حلفائه المفترقين انتخابيًا.

البحث عن تسوية

يزور البابا لبنان لتكريس وحدة الكيان اللبناني ونهائيته. وهناك تنسيق كبير مع الفرنسيين ودول أوروبية وعربية وخليجية ومع الولايات المتحدة الأميركية، هدفه ضرورة حماية هذا الكيان بوحدته. وتؤكد مصادر متابعة أن الكواليس الداخلية تشهد بحثًا سياسيًا معمقًا حول المرحلة المقبلة في لبنان، بعد الانتخابات النيابية واستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية وإتمامه في موعده.

تقول المعلومات إن البحث جارٍ عن تحضير أرضية مشتركة للوصول إلى تسوية سياسية ورئاسية، ينتخب بموجبها رئيس جديد للجمهورية لا يكون محسوبًا على أي طرف. لأن تجربة الرئيس القوي سقطت وأدخلت لبنان في دوامة من الصراعات والانهيارات وصراع المحاور.

لا للرئيس القوي

ثمة من يعتبر أن كل عهد رئاسي يعتدّ بقوته حصلت فيه توترات أو حروب أو معارك أو انهيارات اقتصادية: الرئيس بشارة الخوري الذي انتهى عهده بثورة بيضاء. الرئيس كميل شمعون الذي انضوى في حلف بغداد وانتهى عهده بثورة مسلحة. الرئيس سليمان فرنجية الذي وصل إلى الرئاسة مدعومًا من الحلف الثلاثي المسيحي، فاندلعت في عهده الحرب الأهلية، ودعمته الجبهة اللبنانية. قائد القوات اللبنانية بشير الجميل الذي انتخب رئيسًا قويًا للجمهورية، سرعان ما اغتيل واستمرت الحرب الأهلية. وأخيراً، “الرئيس القوي” ميشال عون الذي ارتبط عهده بعبارة “الجحيم”.

لذا، يجري اليوم البحث في بلورة مواقف متوازنة سياسيًا، كالتي كان لبنان يشهد فيها فترات من الرخاء والازدهار والتسويات الداخلية برعاية إقليمية ودولية، وفق المصادر.

تسقط بذلك ترشيحات الذين يفترضون أنهم مرشحون ثابتون لرئاسة الجمهورية. وهذا ينطبق على سمير جعجع، سليمان فرنجية، وجبران باسيل. ويتركز البحث عن شخصية تتمتع بصفات الجمع والوئام، بدلًا من الشِّقاق والصراع: على الصعيد الوطني بين المسلمين والمسيحيين، وفي داخل الصف المسيحي المستفحلة فيه انقسامات القوى وصراعاتها التي لا تنتهي.