كتب هيثم الموسوي في “الأخبار”:
مذ انتهت مهلة تأليف اللوائح الاثنين الفائت، بات الجميع في طور انتظار 15 أيار. كل من الأفرقاء أنجز ائتلافاته ولوائحه وموازناته ودعاياته وباشر حملاته. اليوم الجديد على هؤلاء جميعاً، هو غداة إقفال صناديق الاقتراع وإعلان النتائج الرسمية النهائية
الاعتقاد السائد بأن الأصعب يكون قد مرّ في اليوم التالي لانتخابات 15 أيار 2022، ويبقى مذذاك الأسهل، يبدو مبالغاً فيه بدءاً من صباح 16 أيار 2022. بالتأكيد إذا أجريت الانتخابات النيابية بلا عراقيل أو متاعب أو اضطرابات، وانتهت على خير بلا فوضى أو ربما عنف، واستكملت كل الدوائر إقفال صناديقها. ليس اليوم التالي خاتمة كل ما كان تحضّر في الأشهر الأخيرة، بل فاتحة ما سيأتي.
أي برلمان منتخب سيبصرون؟
من الطبيعي توقّع أكثر من معضلة، ليست بينها أخيرة، بعد الانتخابات النيابية العامة. في 21 أيار تنتهي ولاية المجلس الحالي بانتخاب رئيس للبرلمان المنتخب وهيئة مكتبه، من ثم تعتبر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مستقيلة حكماً، دونما حاجة إلى تقدمها باستقالة، كي تبدأ مهل التحضير لتأليف حكومة جديدة في مدة قصيرة استثنائية هذه المرة، هي ثلاثة أشهر و10 أيام فقط، قبل الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدأ في 31 آب وتنتهي في 31 تشرين الأول. لكل من هذين الاستحقاقين أطنان من الصعوبات تنتظرهما في أوانهما.
غير أن لذلك كله أولٌ، هو البرلمان الجديد المعني مباشرة بالاستحقاقين المتتاليين. هو الذي سيسمي الرئيس المكلف، وهو مَن سيمنح الثقة للحكومة الجديدة، ورئيسه مَن يوجه الدعوة إلى انتخاب رئيس جديد للدولة، وهو مَن سينتخب خلف الرئيس ميشال عون. هو أيضاً المدعو إلى أن يتحسّب، للمرة الرابعة، لاحتمال شغور رئاسي بعد أعوام 1988 و2007 و2014، بعدما أضحى الشغور تقليداً اعتيادياً كلما جبهت الاستحقاق الرئاسي أزمة اتفاق داخلي.
أما الأهم في ذلك كله، فهو أن البرلمان المنتخب – أياً تفضي إليه تركيبته الجديدة – سيكون مدعواً إلى استخدام نصاب الأكثرية المطلقة في استحقاق، ونصاب أكثرية الثلثين في استحقاق آخر. مغزى ذلك، أن الأشهر الخمسة الأولى له هي تقريباً كل ولايته نظراً إلى ما ينتظره من أوزار. لن يشبه أياً من البرلمانات التي سبقته في أكثر من عقد ونصف عقد من الزمن، كان في خلالها أقرب ما يكون إلى مجالس ائتلافية. على صورته تألفت الحكومات التي واكبت الحقبة تلك. ليس منقسماً بين قوى 8 و14 آذار، ولا بين غالبية عددية عديمة الفاعلية وأقلية فائضة القوة، ولا بين توازنين سلبيين يقوم عليهما التخويف المتبادل السنّي – الشيعي. على نحو يقلب المعادلة المعتادة، سيكون البرلمان المقبل برلمان الفريق الواحد الذي لا يشكو من عيب. تتساوى فيه الأكثرية العددية والأكثرية الميثاقية.
من ذلك أهمية ما يقال إن حزب الله وحلفاءه ضمنوا سلفاً منذ الآن، على نحو حاله منذ انتخابات 2018، الغالبية المطلقة الجديدة برقم، يتوقع أن يبلغ 72 نائباً وربما يتجاوز 75 نائباً. يقال في المقابل إن الفريق المناوئ له (وليد جنبلاط وحزب القوات اللبنانية والنواب السنّة المعد أنهم تركوا تيار المستقبل أو المعادون لحزب الله وكذلك النواب المستقلون) يطمحون إلى امتلاك الثلث + 1 من أعضاء مجلس النواب (44 نائباً)، للحؤول دون تمكين قوى 8 آذار من السيطرة على انتخابات رئاسة الجمهورية الخريف المقبل.
بعدما اعتادت البرلمانات المتعاقبة منذ انتخابات 2005، تسمية رئيس مكلف لأولى حكومات ما بعد الانتخابات، ثم تأليف حكومات تليها تبعاً للقياس نفسه، تكون الشخصية السنّية الأكثر تمثيلاً لطائفتها، المنبثقة للتو من الانتخابات النيابية العامة، يغدو هذا الاختيار أكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة. أخرج تيار المستقبل ورئيسه الرئيس سعد الحريري نفسه من المعادلة الوطنية بدءاً من مجلس النواب، فأفقد نفسه دوراً حاسماً ليس في تسمية الرئيس المكلف وتأليف الحكومة فحسب، بل كذلك في الاستحقاق التالي وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. بالتأكيد ليست المسألة الميثاقية هي المشكو منها ما دام نواب سنّة سيُنتخبون خلفاً لأولئك العازفين عن الترشح. وليست المسألة العددية هي التي ستبخس السنّة دورهم وحضورهم في الاستحقاقين المقبلين. أول مؤشرات هذه المشكلة يبدأ في يوم الاقتراع والتحقق من نسبة المشاركة السنّية فيه، بينما يتزايد الاعتقاد يوماً بعد يوم أن الانخفاض المتوقع في التصويت سيكون مثيراً للقلق، وليس إلا تعبيراً عن قرار بمقاطعة للانتخابات.
مقدار ما يمكن أن تُفسَّر المقاطعة السنّية، التي لا يتوقف تيار المستقبل عن تأكيدها والإصرار عليها ترشيحاً – وقد مضى عليه الوقت – واقتراعاً، على أنها اختبار لتضامن الشارع السنّي مع الحريري والتحاقه به أنّى سلك وجهته، إلا أن المقاطعة هذه تعني في المقابل أن لا عودة عنها قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون. تالياً ينأى تيار المستقبل، كما الحريري بنفسه، عن استحقاقات ما تبقى في الولاية. وهذه لا تقتصر على استحقاقي الانتخابات فحسب، بل تطاول أيضاً ما يمكن استدراك حصوله في الأشهر القليلة المقبلة، بعد الإعلان عن اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي.
ربما الأصح في ما قد يكون عليه مجلس النواب الجديد، أنه سيستعيد قواعد حكم البلاد تبعاً لما فرضته دمشق بين أعوام 1989 و2005، وهو أن تضع بين أيديها الرئاسات الثلاث والسلطتين الاشتراعية والإجرائية، ناهيك بالجيش، وتسلّم إلى وكلاء لها إدارة شأن كل منها من داخلها. بيد أن القرار لها. لم يسعها أن تصل إلى هذا الحد من إحكام السيطرة، إلا بعد انتخاب أول مجلس نيابي بعد الحرب عام 1992. من ثم لم تعد مضطرة إلى استخدام العصا والقوة لفرض خياراتها، ولا لفرض مرشحيها أينما كانوا. أعطت القليل إلى الوكلاء كي تفوز بالكل. ساعدتها في ذلك حينذاك المقاطعة المسيحية. طوال أعوام الولاية السورية، لم يشهد لبنان برلماناً ائتلافياً مرة، بل برلمان الفريق الوحيد.
ما أشبه اليوم بالبارحة. بلا أي نبوءة، يتكرر ذلك. كأن ما حدث ما بين عامي 2005 و2018، المثقل بمساوئه، أضحى من الماضي. عدة الشغل جاهزة: المقاطعة والوكلاء والظروف وصاحب الأمر.