يتوجه الناخبون الفرنسيون إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد في الجولة الأولى من سباق الرئاسة الذي يبدو محتدما وقد يصبح مثيرا للجدل.
ويواجه إيمانويل ماكرون منافسة من أقصى اليمين بزعامة مارين لوبان التي استعدت لهذه المنافسة في حملة انتخابية قوية.
ويحق لنحو 49 مليون فرنسي التصويت في الجولة الأولى التي ستسفر عن اختيار اثنين، من بين 12 مرشحا، سيتواجهان في جولة ثانية.
لكن بعد أربع ساعات من بدء التصويت، شارك ربع الناخبين فقط، وهو أدنى مستوى منذ 20 عاما.
ولم يخصص الرئيس ماكرون كثيرا من الوقت لهذا السباق، فيما انصبّ تركيزه على رد فعل أوروبا تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولعل أبرز ما يسيطر على الحملات الانتخابية في هذا السباق الرئاسي هو ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل حاد، لا سيما فواتير الطاقة وسلال المشتريات.
وعندما وصل ماكرون إلى السلطة بزعامة حزب جديد عام 2017، استطاع إنزال الهزيمة بالمتنافسين القدامى، ولا يزال أكبر حزبين بينهم يضمدان جروح تلك الهزيمة.
المرشحة الرئاسية لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان تدلي بصوتها في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في مركز اقتراع في هينين بومون
وضعت استطلاعات الرأي لكلا الجولتين مارين لوبان خلف ماكرون بفارق ضئيل جدا
وتناضل آن هيدالغو، مرشحة الحزب الاشتراكي من أجل إسماع صوتها، بينما تجد فاليري بيكريس، مرشحة اليمين، صعوبة في إلهاب حماس الجمهوريين.
وبذلك يبقى التحدي الرئيسي أمام ماكرون، البالغ من العمر 44 عاما، متمثلا في كل من مارين لوبان ذات الـ53 عاما من أقصى اليمين، وجان لوك ميلنشون، ذي الـ 70 عاما من أقصى اليسار.
ويتوقع البعض خروج ماكرون خاسرا من تلك الانتخابات.
بدأت عملية الاقتراع في فرنسا وفي المدن الكبرى، باريس، وليون، ومارسيليا، في الثامنة صباحا (بتوقيت غرينيتش) وينتهي في الثامنة مشاء (السادسة مساء بتوقيت غرينيتش).
وثمة حالة من عدم اليقين سادت على مدار أيام قبل موعد التصويت. وأشار استطلاع للرأي أجراه معهد إيبسوس إلى أن 37 في المئة من الناخبين لم يقرروا بعد لمن سيعطون أصواتهم.
وفي البداية كان وباء كوفيد-19، ثم جاء بعد ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا ملقيًا بظلاله على هذه الانتخابات.
ولم يعد قائما ذلك التقليد القديم بالتصويت إمّا لليسار أو لليمين. ويقول أحد التجار في سوق بالعاصمة باريس إنه لم يقرر بعد لمن يعطي صوته – مارين لوبان أم جان لوك ميلنشون؟
ويقول فيليب بريدو، والذي كان في السابق ينتخب الاشتراكيين في مدينة بيربينيا في الجنوب الغربي للبلاد، إنه قد تحوّل إلى أقصى اليمين.
ويضيف فيليب لبي بي سي موضحا: “لأن الأمن أمر مهّم، والهجرة مهمة كذلك، وهي موضوع راهن – واليسار لا يناقشه”.
وبالنسبة للكثير من الناخبين، لم تعد وصمة التصويت لليمين المتطرف قائمة كما كانت قديما.
فبعد الهزيمة النكراء التي تلقّتها على يد ماكرون في انتخابات 2017، أعادت مارين لوبان تسمية جبهتها الوطنية لتصبح التجمّع الوطني، على أن الكثير من سياساتها لا تزال كما هي دون تغيير واضح.
وتبدو مارين لوبان أكثر اعتدالا من مرشح اليمين المتطرف المنافس أريك زمور.
يرى برايس تينتورييه من معهد إيبسوس لاستطلاعات الرأي أن “السباق الانتخابي لم يُحسَم على الإطلاق”.
ويمثل الإقبال على التصويت أمرا أساسيا لأن منظمي الاستفتاءات يعتقدون أن 28 في المئة من الناخبين قد لا يذهبون إلى مراكز الاقتراع – كما لم يحدث منذ 20 عاما – وأكثر هؤلاء ينتمي للفئة العمرية بين 25 و34 عاما.
ثم هناك ما يُسمى بالتصويت الاحتجاجي – وفيه يترك الناخب ورقة التصويت بيضاء دون اختيار أيّ من المرشحين، وذلك على سبيل الاحتجاج.
وهناك أيضا احتمال قائم لحدوث ما يُعرف بالتصويت التكتيكي، وفيه يقرر الناخبون دعم أحد المرشحين لأن لديه فرصة أكبر في الفوز.
يقول تييري، الذي يعيش خارج باريس ويدير متجرا للأحذية، إن الأسعار ارتفعت بشكل هائل
ويعدّ الاقتصاد الفرنسي في حال جيدة، وقد تراجعت نسبة البطالة إلى 7.4 في المئة، لكن الناخبين مع ذلك لا يشعرون بتحسّن أحوالهم الاقتصادية.
وذلك لأن الأسعار مرتفعة بوجه عام، في المحال التجارية، وفي السوق، وفي محطات الوقود، وفي فواتير الطاقة.
والعبارة التي تسمعها في كل مكان هي pouvoir d’achat والتي تعني “قدرة شرائية” ولكنها معروفة في اللغة الإنجليزية باسم “التكلفة المعيشية”.
ويقول تييري، الذي يعيش خارج باريس ويدير متجرا للأحذية، إن الأسعار ارتفعت بشكل هائل. ويشير إلى أن “تكلفة الأحذية ارتفعت بنسبة 20٪ إلى 30٪ كما ارتفعت قيمة جميع الضرائب أيضا”.
وهذا هو السبب في أن العديد من المرشحين يعدون بزيادة الحد الأدنى للأجور، في بعض الحالات بمئات اليورو. ومن المقرر أن يرتفع الحد الأدنى في بداية مايو/أيار إلى حوالي 1300 يورو (1430 دولارا أمريكيا) شهريا بعد الضريبة.
امرأة مسنة تدلي بصوتها في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 في مركز اقتراع في هينين بومون، فرنسا، 10 نيسان 2022
وبالنسبة لمارين لوبان، فإن أزمة الإنفاق تمثل أيضا فرصة كبيرة لها في الانتخابات. لقد أمضت وقتا أقل في الحديث عن القومية وركزت أكثر على الأجور المنخفضة، قائلة إنها ستلغي ضريبة الدخل لمن هم دون الثلاثين.
لكن لوبان لا تزال ترغب في تنظيم استفتاء على تقييد الهجرة، كما ترغب في حظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، فضلا عن رغبتها في إحلال تغيير جذري بالاتحاد الأوروبي.
وقد نأت لوبان بنفسها عن بوتين روسيا، رغم أنها كانت قد ذهبت لرؤيته عام 2017، وطالما صرّحت بإعجابها به، كما أن حزبها لا يزال يسدد قرضا روسيا.
وعلى النقيض من ذلك، انزعج الناخبون من أن حكومة ماكرون أنفقت مبالغ متزايدة من أموال دافعي الضرائب على مستشارين مثل شركة ماكينزي الأمريكية. وقال تييري: “يشعر الناس بالاشمئزاز بعض الشيء ممن يحصل على هذه الأموال”.
وقد دخل ماكرون هذا السباق الرئاسي متأخرا، بمسيرة جاءت قبل بدء الاقتراع بثمانية أيام. وبينما يجوب منافسوه أنحاء فرنسا، صبّ ماكرون تركيزه على الدبلوماسية في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبدأ ماكرون في مواجهة خصمه الرئيسي وهي لوبان، قبل وقت قصير من انتهاء الوقت المخصص للحملات الانتخابية، وأدان سياساتها باعتبارها عنصرية و”وحشية للغاية”.