وأخيراً وبعد طول انتظار ومفاوضات تم توقيع اتفاق أوّلي على صعيد الموظفين بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، أو بشكل أدق بين الصندوق والرئاسات اللبنانية التي تعهّدت بما لن تنجزه يوماً.
الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد يقوم على شقين: من جانب الصندوق سيقدّم 3 مليارات دولار أميركي مقسّطة على 4 سنوات، ومن جانب الحكومة اللبنانية ستلتزم بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وتنفيذ الإصلاحات شرط مسبق للحصول على الأموال الموعودة.
هكذا يتّضح أن الاتفاق اللبناني مع صندوق النقد أشبه بخديعة وتسويق انتخابي ليس أكثر. ففي الشق الأول يصحّ السؤال: ما حاجة بلد لـ3 مليارات دولار وهو الذي هدر 18 ملياراً خلال السنتين الأخيرتين ويستمر في الهدر؟ وفي الشق الثاني يُطرح أكثر من سؤال:
ـ إذا كان لبنان جدياً في تنفيذ أي إصلاح فلماذا لم ينفذه لغاية اليوم؟ لماذا لم تفِ الحكومات اللبنانية المتعاقبة بالإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي منذ أيام مؤتمرات باريس2 وباريس3 و”سيدر”؟ ربّ قائل إن لبنان وصل إلى الانهيار الشامل ويقبع في جهنم منذ أكثر من عامين ولذلك هو مضطر للقيام بالإصلاحات، وعندها لا بدّ من السؤال لماذا لم يباشر بالإصلاحات منذ عامين؟
والأهم عن أي إصلاحات نتحدث اليوم؟ عن الإصلاحات في قطاع الكهرباء الذي لا يزال حتى الأمس يصرّ رئيس “التيار الوطني الحر” و”صهر العهد” على العودة إلى نغمة البواخر، والذي لا تزال الوعود فيه بتعيين الهيئة الناظمة للقطاع أشبه بـ”وعود عرقوب” ومشروطة بنزع الصلاحيات من الهيئة وتسليمها لوزير الطاقة ليبقى الفساد مستشريا؟ عن أي إصلاحات في الكهرباء يحدثوننا وهم يستمرون في المطالبة بالاستدانة لإنشاء معامل جديدة ونحن لا نملك المال لشراء الفيول والغاز لتشغيل المعامل الموجودة، لا بل يصرّون على نهب ما بقي من ودائع اللبنانيين في الاحتياطي الالزامي لإتمام عقود مشبوهة في الفيول؟
وهل يحدثوننا عن الإصلاحات على صعيد الإدارة العامة التي أغرقتها هذه الطبقة السياسية بالتوظيفات الزبائنية؟ ومن يقبل من الأطراف السياسية كافة بالاستغناء عن أكثر من 250 ألفاً من أزلامهم والمحسوبين عليهم من المحشوين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة؟ هل يريدون فعلا تطبيق الحكومة الالكترونية ووقف أبواب الهدر و”الإكراميات” والرشاوى فتنقلب عليهم جماهيرهم ممن حققوا الثروات بهذه الأساليب؟ أم يريدون فعلاً ضبط الحدود ووقف التهريب الذي يعتبره “حزب الله” أحد منابع تمويله الأساسية ولذلك يمنع بشكل تام أي محاولة جدية لضبط الحدود والمرافئ العامة من المطار إلى المرفأ وغيرها؟
أم تراهم يريدون فعلاً إقرار قانون الكابيتال كونترول بعدما انتهوا من تهريب أموالهم، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وضبط مصرف لبنان لمنع المسّ بالودائع التي نهبوها بأنفسهم لتمويل فسادهم وأزلامهم وصفقاتهم وأحزابهم؟ فلو توقف مصرف لبنان عن تمويل الخزينة منذ عقدين من الزمن ماذا كانوا ليفعلوا؟ من أين كانوا سيأتون بالأموال لصفقات الفيول لتشغيل معامل الكهرباء التي يرفضون خصخصتها؟ ومن منعهم من رفع سعر كيلوواط الكهرباء وتحسين الجباية؟ ومن أين كانوا سيأتون بالأموال لدفع الرواتب والأجور وسلسلة الرتب والرواتب؟ ماذا فعلوا منذ 10 أعوام لتنشيط الصناعة والزراعة وتفعيل التصدير للإتيان بالعملة الصعبة إلى لبنان؟ وأي جهد وضعوا لاستعادة السياحة الخليجية في لبنان والتي كانت تدرّ على لبنان حوالى 4 مليارات دولار سنوياً وتوقفت بسبب ممارسات “حزب الله” من بيروت إلى صنعاء وإصراره على جرّ لبنان إلى المحور الإيراني؟
كلها أسئلة مشروعة تفضح خبث نواياهم، فما جرى مع صندوق النقد ليس أكثر من مسرحية سمجة واتفاق- خديعة عشية الانتخابات النيابية المفترضة. فحتى الصندوق اشترط صدور بيانات من الرئاسات الثلاث لأنه لا يصدقهم، هذه الرئاسات المفترض أن تتغيّر بعد أسابيع وأشهر قليلة، فعن أي التزام يحدثوننا من خارج المؤسسات؟
وإلى حين يعلن صندوق النقد رسمياً أن لبنان نفّذ الإصلاحات الموعودة كالسراب في صحراء الطبقة السياسية الفاسدة والتي يرعاها ويشاركها السلاح الإيراني في لبنان، على الأرجح أن نكون عدنا إلى العصر الحجري ونحن نستجدي المساعدات الانسانية من الدول التي يمكن أن تشفق علينا…