كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
كانت الصورة الموزّعة عن الإفطار الذي أقامه السفير السعودي وليد بخاري والذي جمع عدداً من السياسيين أبرزهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ورئيس حزب القوات سمير جعجع، هي «التراند» خلال الساعات الأخيرة. المنتقدون لا يقلّون عدداً أو أهمية في انتقاداتهم، عن المرحّبين والمصفقين. كلّ لاعتباراته. وفي زمن الحواصل والأصوات التفضيلية، وحده العامل الانتخابي يلعب دوراً أساسياً.
ولكن بالنتيجة، ثمّة «طنّة ورنّة» تحيط بحركة رئيس الدبلوماسية السعودية مذ عودته إلى بيروت، بعد فترة من الجفاء بين بيروت والرياض، خصوصاً وأنّ بخاري يتقن جيّداً لعبة الاعلام سواء لناحية جذب الكاميرات والأضواء أو تعليقات المغرّدين. لكن هذا لا يعني أبداً، أنّ وراء تلك الضجة والضوضاء، انقلاباً كبيراً في موقف المملكة السعودية تجاه لبنان.
في الواقع، لا معطيات واضحة أو رسمية لدى السلطة اللبنانية، قد تفسّر الأسباب أو الاعتبارات الكامنة وراء قرار السعودية بإعادة المياه إلى مجاري العلاقة مع لبنان، كما، لم يفهم اللبنانيون حقيقة ردّ فعل المملكة «العنيف» على مواقف وزير الاعلام السابق جورج قرداحي خصوصاً وأنّها سابقة لخطوة توزيره. في كلا الموقفين، بدا أنّ هناك قطبة مخفية أو عوامل محفّزة تتخطى حدود ما يمكن للحكومة أن تقوم أو لا تقوم به. ومع ذلك، فإنّ للقرار السعودي باستئناف العلاقات الدبوماسية مع لبنان، إشارته الايجابية ومغزاه السياسي.
يكفي أن تذكّر السفيرة الفرنسية آن غريو التي شاركت في مأدبة الإفطار، ببرنامج المساعدات الإنسانية المقدم من السعودية والبالغة قيمته 36 مليون دولار، للتأكد من دور بلادها في كسر الإبتعاد الخليجي عن لبنان، ولو أنّ هذا الكسر لا يتعدى في أهدافه الراهنة، القريبة الأجل، الحفاظ على الحدّ الأدنى من الاستقرار للحؤول دون انفجار الوضع… بانتظار انقشاع الرؤية الاقليمية والدولية.
فعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرياض في كانون الأول الماضي، والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تم التطرق إلى موضوع لبنان من ضمن موضوعات عديدة تقدّمت الملف اللبناني. ونزولاً عند رغبة الرئيس الفرنسي، تكلم الأمير محمد من هاتف ماكرون مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي.
وقد عادت فرنسا إلى الساحة اللبنانية في الفترة الأخيرة، وتحديداً بعد انتفاضة 17 تشرين الأول، وشكّلت إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا فريقاً ثلاثياً لمتابعة التطوّرات. فتكرّرت زيارات السفير الفرنسي والمنسق العام حول لبنان، بيار دوكان، إلى بيروت. وقد شكّل انفجار المرفأ في 4 آب قبل عشرين شهراً محطة إضافية لتعزيز الدور الفرنسي مع اعلان ماكرون عن مبادرته الشهيرة وعن مساعدات إنسانية للمتضررين.
واصل الفرنسيون اهتمامهم بلبنان بالتنسيق مع الأميركيين، وترجم ذلك بلقاء السفيرتيْن الفرنسية آن غريو والأميركية دوروثي شيا في الرياض إلى جانب وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية والاقتصادية، السفير عيد بن محمد الثقفي، في تموز الفائت.
ولكن وفق بعض المتابعين لملف العلاقات اللبنانية – السعودية – الفرنسية، لا تُحمّل حركة المملكة في الوقت الراهن الكثير من التأويلات والاجتهادات، لكونها محصورة بالبرنامج الانساني والذي هو بادرة حسن نية سعودية تجاه الفرنسيين أولاً قبل أن تكون تجاه لبنان، كونها نتاج اتفاق ماكرون وبن سلمان.
يقول هؤلاء إنّ المنطقة تشهد مخاضاً كبيراً جرّاء المفاوضات الحاصلة على أكثر من صعيد، فيما لا يزال الملف اللبناني غائباً عن جدول الأعمال، أقلّه بالنسبة للسعودية، وبالتالي إنّ الكلام عن عودة سعودية إلى لبنان، بالمعنى السياسي، لا ترجمة فعلية له، حتى لو جاء القرار عشية الانتخابات النيابية مع احتمال تقديم الرياض الدعم لبعض حلفائها. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ هذا الدعم يأتي ضمن مشروع استراتيجي واضح.
ويضيفون أنّ فرنسا متحمسة لتحريك الملف اللبناني، لكن برنامج المساعدات الذي أعلن عنه لا يهدف إلّا للتخفيف من بعض آثار الانهيار المالي والاقتصادي والحفاظ على بعض المؤسسات التربوية والصحية لا سيما وأنّ الافلاس يطالها بشكل يهدد الاستقرار الاجتماعي.
أمّا على المستوى السياسي، فيستعيد هؤلاء مشهدية الجهود التي بذلتها باريس في العام 2018 من خلال مؤتمر سيدر والتي كانت تهدف إلى تعبيد الطريق أمام عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. وبهذا المعنى، يعتقد هؤلاء أنّ الحركة الفرنسية تهدف راهناً إلى إعادة تأكيد دور نجيب ميقاتي في المرحلة المقبلة بكونه رئيس الحكومة المتاح اقليمياً ومحلياً… خصوصاً وأنّه قطع شوطاً مهماً في التفاوض مع صندوق النقد الدولي ما يتيح له متابعة هذا المسار لتطبيق الشروط المطلوبة من لبنان.