كتب إبراهيم أسامة العرب في “نداء الوطن”:
منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، طيب الله ثراه، ولبنان يرفل بفضل الله بخيرات لا تحصى من المملكة العربية السعودية واستمرت تلك العناية في عهد أبنائه الملوك من بعده، وصولاً الى عهد النور والخير عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله واطال بعمرهما.
وبقي لبنان هبة السعودية، فكل خير فيه هو ثمرة من عطاءات المملكة والكويت وسائر دول الخليج، وثمرة العلاقات الطيبة مع مملكة الخير والعطاء والحزم. وكان للمملكة الفضل بعد الله في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية بإقرار وإنجاز اتفاق الطائف عام 1989. وبالرغم من كل الإساءات التي تعرّضت لها السعودية، لم تتوانَ عن دعم لبنان، لا سيما لجهة مشاركتها في مؤتمر «سيدر» الذي عقد في عام 2019. كما أنّ المملكة العربية السعودية كانت تتعامل مع الجميع كلبنانيين دونما تفرقة بين فئة وأخرى، أو بين منطقة وأخرى، وبقيت الأم الحقيقية الرحوم، التي تسعى لبناء لبنان العربي الحر السيد النزيه الذي نريد.
وكانت السعودية أيضاً أكبر الداعمين للبنان عقب الدمار الكبير الذي حدث عام 2006، خصوصاً بعد دمار البنية التحتية بسبب مغامرات البعض، وتدمير مئات الوحدات السكنية بسبب القصف الإسرائيلي. وبقيت السعودية تستشعر آمال وآلام العرب والمسلمين، وترفض أي أمر من شأنه المساس بسيادة وأمن لبنان، مؤكدةً على حرصها الدائم على المواطنين اللبنانيين المقيمين على أراضيها، والذين تعتبرهم جزءاً من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين في المملكة.
لكن رغم هذه المواقف المشرفة، فإن المملكة العربية السعودية كانت تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة البعض لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد. في حين أن هذه الاعتداءات حظيت بتنديد من كافة دول العالم ومن مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى، حتى من دول لم تقدّم لها المملكة أي مساعدة. كما أن ذلك يأتي إضافة إلى تصريحات بعض الوزراء، التي تتضمن افتراءات على المملكة وقلباً للحقائق وتزييفها، ناهيك عن تأخر لبنان باتخاذ الإجراءات التي طالبت بها المملكة لوقف تصدير آفة المخدرات، لا سيما في ظل سيطرة البعض على كافة المنافذ.
وكان الأولى بالأفرقاء السياسيين أن يغلّبوا المصلحة اللُّبنانية العُليا لمواجهة التحديات التي يعيشها البلد، والعمل على تحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني من أمن واستقرار ورخاء، وإيقاف هيمنة البعض على مفاصل الدولة.
من هنا كان موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في محلّه، لجهة وجوب اتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ووقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي.
أما اليوم فإن عودة السفراء، لا سيما سفير المملكة العربية السعودية، الوزير وليد بخاري، تأتي في لحظة سياسية مفصلية يتم العمل فيها على نسج تحالفات بين القوى الحليفة تقليدياً للسعودية ودول الخليج وتحديداً السنّة، وسط معلومات تفيد بإحراز تقدم في هذا المجال.
وهذا بحدّ ذاته مؤشر إلى وقوف اللبنانيين موقفاً واحداً يهدف إلى إعادة وصل العلاقة السياسية مع المملكة العربية السعودية، والاستعداد لخوض المعركة الانتخابية بناء على غطاء ودعم من السعودية، وفق معايير وعناوين سياسية واضحة المعالم عنوانها السيادة ومواجهة مشروع الهيمنة على لبنان، ومنع البعض من الحصول على الأكثرية المطلقة التي ستمكنه من فرض كل القرارات والسياسات التي يريدها.
وينتظر لبنان أيضاً موعد توقيع إنشاء الصندوق الفرنسي- السعودي المشترك، إضافة إلى الحركة التي سينشط بموجبها السفير السعودي على الساحة اللبنانية في شهر رمضان المبارك، في وقت يتوسّع فيه التنسيق السعودي – الفرنسي مع الولايات المتحدة لمواكبة التطورات، التي ستشهدها الساحة اللبنانية سواء في الانتخابات النيابية أو في المرحلة التي تليها.
هذه التطورات انعكست ايجاباً على صعيد تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان، مما ينبئ عن انفراجات على الصعيد المالي اللبناني، فخلافاً لتوقعات البعض ان الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي كان صعب المنال في هذه العجالة، اذ به يحصل فجأة. وهو يشمل مجموعة من الشروط الاصلاحية التي ينبغي تنفيذها قبل أن يوافق مجلس ادارة صندوق النقد على اي تمويل.
وبالتالي، سيتم ترحيل هذا الامر الى ما بعد الانتخابات النيابية، حيث ستتولى الحكومة الجديدة عملية استكمال هذا الاتفاق وتحويله الى اتفاق تمويل.
باختصار، كل الملفات باتت مُرَحّلة إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، بما في ذلك تحديد مصير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإما يتمّ استئصال أورام الأكثرية من بنية الدولة إيذاناً ببدء رحلة الشفاء، وإما أن يكون التفشي القاتل
الأمر الذي لا يمكن فصله عن تطور محادثات المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، لا سيما في ظل محدودية تأثير الرئيس الفرنسي ماكرون في التفاصيل اللبنانية الداخلية. وهنا لا بد من التذكير انه بعد انفجار مرفأ بيروت، وبالرغم من زيارات الرئيس الفرنسي وضغوطه ومبعوثيه الى لبنان، فشل الأخير في الوصول الى تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، ولم تكترث الأكثرية النيابية اللبنانية بتدهور الوضعين الاقتصادي والمالي.
وختاماً، فإنّ قرار العودة الخليجيّة يؤسّس لمرحلة جديدة من الأمل والثّقة بمستقبل لبنان العربي الهويّة والانتماء، مؤكدين على أهمية تعزيز التعاون بين بيروت والرياض في مختلف المجالات، لا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية والاستثمار وقطاع النفط.
إضافة الى ضرورة تجسير العلاقة مع مجلس التعاون الخليجي، والتأكيد على لبنان آمن مستقر ذي سيادة وعلاقاتٍ راسخة مع عمقه العربي، باعتبار أنّ هذا التوجه عنصر لا غنى عنه في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية والسلام.