جاء في “اللواء”:
يحيط بالاستحقاق الانتخابي، المفترض أن يحصل خلال أيّار المقبل، جملة من المؤشرات والعلائق ذات التأثير على مجريات الوضع:
1 – المؤشر الأوّل: تجاذب غير مسبوق بين مكونات السلطة: كتل، تيارات، أحزاب، حركات، مجموعات مستقلة وحكومة وزراء، فضلا عن الرئاسات الثلاث حول متطلبات التوصّل إلى ابرام اتفاق كامل، يحصل بموجبه لبنان على قروض تبدأ بـ 3 مليارات، وقد تصل إلى 15 مليار دولار، مع صندوق النقد الدولي.
التجاذب يدور حول الأكلاف والأثمان لما يترتب، سواء في ما خصَّ الاتفاق أو عدمه، على مستوى الوضع العام، استقراراً أو اهتزازاً، أو على المستوى السياسي، المتعلق بالمكونات الطامحة إلى تجديد الثقة فيها، بعودتها إلى البرلمان، إما للمضي في توفير الحماية، أو للإمعان في الاحتفاظ عن المحاسبة، أو الخسائر، أو ما يتعلق بالمصير السياسي لهذه القوى.. ليس على مستوى تجديد وجودها في ساحة النجمة، بل الخروج منها..
2 – المؤشر الثاني، ويتعلق بالانفراج الجزئي الحاصل في العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، في ضوء عودة السفيرين السعودي وليد بخاري والكويتي عبد العال القناعي، وسائر سفراء المجلس، في خطوة، تعكس عدم تخلٍّ عربي عن لبنان، على الرغم من الظروف القاسية التي يعانيها على المستويات كافة، لا سيما السياسية، في ضوء التشظي في المواقف الداخلية من جملة استحقاقات، غالباً ما لا تتفق مع الخيارات العربية، في التعاطي مع ملفات لمنطقة.
وحسب أوساط المتابعين لعودة المياه العربية إلى مجاريها اللبنانية، ولو بعدم اندفاع، على غرار ما كان يحصل في مرات سابقة، ويشهد عليها تاريخ العلاقات، لجهة الدعم المالي، والمساعدة بالودائع، والدعم للقوى الأمنية والعسكرية، والاتفاق العربي لمساعدة البلد على تخطي أزماته، من الـ2006 (عدوان تموز) إلى ما بعد هذا التاريخ، 2009 و2011 و2015 إلى حين اندلاع الأزمة المالية الكبرى في 17ت1 (2019)، والتي حملت معها بذور انهيار هائل يترصّد البلد واهله، وعلاقاته، والمصالح المتشكلة فيه..
ويمكن وصف العودة العربية إلى لبنان بأنها «نصف انفراج» أو «ربط نزاع» مفتوح على التطورات، وعلى التوجه الدولي والأوروبي، على وجه أخص، تجاه الأوضاع اللبنانية، والتي ستشهد زخماً بعد الانتخابات الفرنسية.
وهكذا، بدا واضحا ان العودة، وإن بدت سياسية، على غير صعيد، الا انها جاءت تحت عناوين واضحة، تتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية لتمكين اللبنانيين من تجاوز الوضع الصعب جداً، لجهة تأمين الدواء، وحتى الغذاء، وتوفير المحروقات، وتمكين المواطن اللبناني من تجاوز الوضع المرير الذي يعيشه من جرّاء الأداء الخاطئ، والاجرامي، للطبقة السياسية الحاكمة.
وإذا كانت المساعدات الإنسانية، لا سيما السعودية منها، مرتبطة بالتفاهم والشراكة مع فرنسا، في ضوء التنسيق القائم حول لبنان، فإن الدبلوماسية السعودية كانت بالغة الحرص على تجديد ثوابت الموقف، لجهة الوقوف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، على مستوى المرجعيات الروحية للمكونات الطائفة من مسلمين ومسيحيين على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم، فضلا عن احترام السلطات الرسمية القائمة، والتعامل معها، ضمن مفهوم التعامل من دولة إلى دولة، ومؤشر ذلك واضح في زيارات السفراء العرب للمراجع الرئاسية، على مستوى رئاسة الجمهورية، ورئاسة المجلس النيابي، ورئاسة مجلس الوزراء.
وهذا، يثبت على نحو غير قابل للشك، ان لبنان عاد إلى دائرة العناية العربية- الدولية بأوضاعه، في ضوء متغيرات مقبلة، في الأقاليم الساخنة في العالم، ومنها الشرق الأوسط، الذي يشهد متغيرات في العلاقات الإقليمية والاهتمامات الدولية، ومن بينها لبنان، بهدف الحفاظ على الاستقرار، ومنع عوامل الفوضى من التسرّب إلى داخله وحدوده، لما لذلك من انعكاسات، بالغة الخطورة، على مجمل الأوضاع، التي يراد لها ان تدخل في حالة من «التهادن» بعد سنوات من «التنازع»، وإعادة ترتيب الوقائع في ضوء ما ستسفر عنه حالات الهيمنة واستعراض القوة شرق أوروبا بين الاتحاد الروسي، بزعامة فلاديمير بوتين، والغرب الأميركي والأوروبي بزعامة جو بايدن وجونسون رئيس وزراء بريطانيا.
وتدل الحركة الناشطة للسفيرين السعودي والكويتي على مدى الارتياح الذي انعكس تهدئة في الداخل، وتنشيط لمحاولات الخروج من الأزمة، بعد اقفال نافذة من شأنها ان تتعب الاستقرار، إن لجهة اللبنانيين العاملين في دول الخليج، توظيفاً وتحويلات مالية، أو لجهة الضغط لتسهيل الاستفادة من الطاقة الكهربائية والغازية للمساعدة في توفير الكهرباء، وصولاً إلى تصدير الإنتاج الزراعي والصناعي اللبناني إلى دول الخليج.. من دون انتظار خطوات مالية، يجري الحديث عنها، لجهة تحريك القروض و العودة إلى سياسة الودائع المالية..
3 – المؤشر الثالث: يتعلق بمجريات الماكينات الانتخابية، والتي تنشط، مع إعلان اللوائح، والمخالفات التي وصلت إلى خطوات متقدمة لدى كل الفرقاء.. وتعمل ضمن شعارات، فارهة، وفارغة، ولا تنطبق ألفاظها، ومسمياتها على الأشياء والوقائع، حاملة مناحي تخبط، وارتجال، باستثناء شعار واحد، يتعلق بسلاح حزب الله، والمطالبة برفع هيمنته عن لبنان، والنظر إليه بوصفه «إحتلالاً إيرانياً».
وضمن ا جواء التعبئة، التي لا يبدو ان لمطلقيها أية آفاق مستقبلية، أو رؤية، بإمكانها ان ترسم السلوك على الأرض، باتجاه كسب المعارك، والتأسيس لمشروع إعادة بناء، من زاوية ان النموذج الذي اعتمد لسنوات، بات عاجزاً عن الإجابة عن إحتياجات المواطن، ومتطلبات حياته.
4 – المؤشر الرابع، يتعلق بالاستعدادات والامكانيات المتاحة، سواء من ناحية الموظفين، والاستعدادات اللوجستية، وحركة الانتقال، والاشراف والرقابة، وما سوى ذلك من احتياجات لانتظام عمليات الاقتراع..
وليس حرص المسؤولين عن التركيز على ان الانتخابات واقعة لا محالة الا محاولة لرفع منسوب التشكيك بإمكان اجرائها في وقتها المقرّر قانوناً، بدءًا من الأسبوع الأوّل من أيّار المقبل..
هذا الوضع، بتمثلاته، على أرض الواقع، ضمن ما هو معتاد، في الاحول التي تصبح فيها الانتخابات أداة، تطوير أو تغيير كبديل عن العنف والفوضى..
ولكن ثمة سؤلان يبرزان: هل يمكن انتظام عملية ديمقراطية في وضع غير ديمقراطي وغير متكافئ، وماذا عن المستور، وراء خفايا الأهداف القريبة والبعيدة!