كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:
في المبدأ ليست لـ«حزب الله» مخاوف من الانتخابات النيابية. والماكينات المجرَّبة تقدِّر أنّه سيحظى بالغالبية المطلقة، على الأقل. إذاً، ما الذي دفع أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى رمي «سوسَة» التأجيل مجدداً، ومن دون مقدِّمات، بعدما اقتنع الجميع بأنّها ستُجرى في موعدها؟
يعتقد محللون أنّ الانتخابات النيابية ستشكّل فرصة مثالية لإيران، كي تسجِّل كرةً سهلةً في سلّة الأميركيين الذين يطالبونها في فيينا بتقليص نفوذها الإقليمي. وإذ تصرّ واشنطن على إجراء الانتخابات بأي ثمن، فالنتيجة على الأرجح لن تخدمها بل ستخدم إيران، إذ ستكرِّس نفوذها في لبنان، بالوسائل الديموقراطية المشروعة، وستُظهِر بالأرقام أنّ «الحزب» يحظى بتغطية لبنانية شاملة: تقريباً غالبية الشيعة، وجزء كبير من المسيحيين والسّنة والدروز.
ولكن، ثمة مَن قرأ كلام نصرالله من زاوية لقاء الإفطار الذي دعا إليه، قبل أيام، رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، على مسافة نحو شهر من الانتخابات. فقد أراد ترميم العلاقات بين الحليفين المارونيين، لئلا يتسبَّب الخلل بإضعاف الفريق ككل في المعركة.
ولكن، في شكل خاص، يريد «الحزب» إفهام الحلفاء أنّ الوقت ليس مناسباً لينتقم أحدهم من الآخر. وبمعنى آخر، إذا قرَّر فرنجية أن يضع كامل ثقله ضد باسيل في انتخابات دائرة الشمال الثالثة، في ظلّ انقسام «الحزب السوري القومي الاجتماعي» ودينامية «القوات» والقوى المسيحية الأخرى، فقد يُهزَم باسيل شخصياً في الانتخابات.
وهذه الهزيمة الانتخابية ليست بسيطة بمغزاها السياسي. فإذا حصلت، سيكون صعباً على رئيس «التيار» أن يرفع شعار «الأقوى والأكثر تمثيلاً للمسيحيين»، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع التراجع في حجم الكتلة النيابية العونية، مقابل اتساع محتمل لحجم الكتلة «القواتية». ويعتبر «حزب الله» أنّ هذا النوع من الهزيمة لباسيل والتيار الذي يمنحه التغطية المسيحية، مسيئة لمصالحه.
وفي الواقع، اختبر «حزب الله» الرئيس ميشال عون على مدى 5 أعوام ونصف العام، وبقي مرتاحاً إلى أنّ الرجل لم يرتكب «أي خطأ» في التعاطي معه طوال هذه الفترة. ولذلك، هو يفضّل استمرار التعاطي معه في الرئاسة، إما ببقائه في الموقع بأي طريقة ممكنة وإما بانتخاب باسيل. وأما إذا تعذّر الخياران لأي سبب، فلا مشكلة في أن يبقى الكرسي شاغراً حتى إنضاج عملية انتخاب باسيل. وهذا ما حصل بين العامين 2014 و2016 عندما بقي الشغور سائداً إلى أن نضجت «طبخة» عون.
طبعاً، هذا الكلام لا يعني أنّ «الحزب» يفضّل باسيل على فرنجية في المطلق. وعلى العكس، بالنسبة إليه، فرنجية هو الحليف المسيحي المفضّل والأَوْلى بالثقة دائماً وبلا منازع، ولـ«الحزب» علاقة عميقة معه تعود إلى عقود. لكن مصلحة «الحزب»، حتى اليوم، ما زالت تفرض اعتماد عون وفريقه لتوفير التغطية المسيحية.
إذا قام «حزب الله» بدعم فرنجية للرئاسة، فسيستاء عون وسيعتبر أنّه أصبح على هامش التحالف معه. وهذا ما سيضع «الحزب»، بشكل من الأشكال، في مواجهة مع القوى المسيحية كافة. ولن يستطيع فرنجية أن يوفّر له سوى تغطية مسيحية محدودة في الحجم والاتساع الجغرافي.
وأما «التيار الوطني الحرّ»، فهو قادر على منح «الحزب» تغطية مسيحية واسعة، بحيث لا يمكن التشكيك فيها. والدليل هو ما يقدّمه له عون في العهد الحالي. وثمة مَن يعتقد أنّ من مصلحة «الحزب» أن يدعم الكتلة العونية وأن يوفّر المناخات الملائمة لوصول باسيل إلى الرئاسة. وهذا الرأي هو الذي يسمح لعون وفريقه بـ«رفع سقف» التفاوض مع كل الحلفاء، بمن فيهم «الحليف اللدود» الرئيس نبيه بري.
وبناءً على ذلك، يدعو قريبون من «الحزب» و«التيار» إلى انتخاب الرئيس بالمجلس الحالي. وهذا يقتضي تأخيراً تقنياً للانتخابات النيابية لبضعة أشهر. وهذا المخرج يريح «التيار» لأنّه يمكن أن يوفّر وصول باسيل إلى بعبدا. وبعد ذلك، تنتفي الحاجة إلى ترشّحه في البترون.
ولكن، ثمة مَن يسأل: هل يمكن أن يتحمّل «الحزب» تبعات تأجيل الانتخابات، فقط من أجل إيصال باسيل إلى الرئاسة؟
في تقدير بعض الأوساط، أنّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو أمر يتعلق بالخيارات الاستراتيجية لـ«الحزب». والمسألة لا تتعلق بانتخاب باسيل كشخص. و»الحزب» عطّل الانتخابات الرئاسية عامين ونصف العام بين 2014 و2016 إلى أن استطاع إيصال الرئيس عون. فما الذي يمنع أن يعيد الكرّة اليوم؟
وفي تقدير هؤلاء، أنّ «الحزب» قادر على وضع الجميع أمام خيارين: إما الاستجابة لشروطه وإما الذهاب إلى السيناريو العراقي، حيث استطاع خصوم إيران أن يحقّقوا الفوز في الانتخابات التشريعية، لكنهم وقفوا عاجزين عن تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية.
واليوم، دخل العراق في وضعية دستورية مربِكة. فقد انتهت ولاية الرئيس، وفشلت آخر المحاولات لانتخاب بديل قبل 6 نيسان. وبات العراق اليوم على وشك إما حلّ المجلس النيابي وإما الدخول في فوضى لا تُعرف عواقبها.
إذا كان «حزب الله» يخشى المفاجآت على مستوى باسيل و«التيار»، خصوصاً في ظل الهجمة المفاجئة للسفراء العرب والغربيين، فمن الوارد أن يعيد خلط الأوراق. والنموذج العراقي يمكن أن يتكرَّر في لبنان.