كتب منير الربيع في “المدن”:
كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي، ازدادت حماوة المعركة الانتخابية وارتفع منسوب التوتر بين الجهات المتعارضة. فبعض مشاهد تمزيق اللافتات، حروب التخوين، رفع الأسقف السياسية، واعتداءات على أنصار مرشحين معارضين، قابلة كلها للتزايد. وليس غريبًا أن يشهد اللبنانيون اعتداءات أو ماوشات في مناطق مختلفة وعلى مداخل أقلام الاقتراع.
مرحلة تأسيسية.. للقديم؟
لكن يبقى الأهم: ألا يؤدي حدث أمني ما إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي الذي يأتي في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان. وتريده القوى السياسية الداخلية والإقليمية أن يطلق مرحلة تأسيسية لما يليه، سواء في ما يتعلق بتشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبما يأتي بعد الاستحقاق النيابي.
تجري الانتخابات على قاعدة إيمان القوى الإقليمية والدولية بأن لا أحد قادر على إلغاء الآخر فيها، بصرف النظر عن الأحجام التي تفرزها صناديق الاقتراع. طبعًا هناك تأثير سياسي للتوازنات. ولكن الاعتقاد بأن تؤدي الانتخابات إلى تغيير سياسي بناء على ثورة 17 تشرين، أصبح مستحيلًا. فقواعد اللعبة عادت إلى ما قبل ذلك التاريخ. ونجحت القوى السياسية في استعادة ولاءاتها وأوراقها كاملة تقريبًا.
معركة الطاولة الفرنسية
تتركز الاستعدادات لمرحلة ما بعد الانتخابات، والأنظار كلها موجهة إلى هناك. حزب الله جالس إلى تلك الطاولة ذات البعد الإقليمي والدولي، بناءً على اهتمامات فرنسية مستمرة بلبنان، وتتجدد بعد انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية ثانية. فتعمل باريس على عقد مؤتمر خاص بلبنان، يبحث في المصير السياسي والدستوري. وقد يؤدي إلى إدخال تعديلات على الصيغة الدستورية القائمة.
القوى الأخرى المشاركة في الانتخابات تبحث عن مكان ما لها على تلك الطاولة: الدروز موقعهم محفوظ عمليًا. والمعركة الأساسية تتركز في الساحتين المسيحية والسنية. المناطق المسيحية ستشهد معارك انتخابية شرسة حول الجهة التي ستحقق أكبر كتلة نيابية.
الشقاقات والمنازعات في البيئة السنية أحالت السنّة قوى متفرقة، تشبه قوى المجتمع المدني. وهذا يحتاج إلى عناية واهتمام لمعالجة تبعاته وتداعياته. وقد يكون هدف تحركات السفير السعودي وليد البخاري، واستعداده لزيارة مناطق في بيروت والشمال والبقاع، تحفيز السنّة على المشاركة في التصويت وإثبات دورهم وحضورهم، ما يمكنهم من حجز مقعد موحد لهم على الطاولة إياها لاحقًا.
لتسوية بلا نار ولا دماء
الصيغ السياسية التي يتطرق إليها البحث، معطوفة على الاهتمام فرنسي، وسياسة مصرية تتركز على حماية الاستقرار، تحظى بإجماع دولي على ضرورة عدم السماح لحصول أي توترات أمنية كبرى. وأن تبقي الوضع في حال التفاوض السياسي الداخلي والإقليمي، بحثًا عن توافق على صيغة تسوية سياسية في أجواء غير حامية، قد تؤدي إلى تفاوض بالنار والدم.
بعد الانتخابات ينهمك لبنان في تشكيل الحكومة الجديدة، والتحضير لزيارة البابا فرنسيس، التي تشير إلى حجم الاهتمام الدولي بلبنان، والسعي إلى عقد مؤتمر دولي يبحث في كيفية معالجة أزماته. وفي حال نجاح هذا المسار يذهب اللبنانيون إلى التوافق على تسوية سياسية كبرى، قد تشمل تعديلات على دستور الطائف. إضافة إلى الاتفاق على حلول وخطط اقتصادية ومالية، إلى جانب البحث في سلّة سياسية شاملة.