كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:
يجزم المسؤولون أنّ الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها المُقرّر في 15 أيار المقبل، أي بعد 26 يوماً، وذلك انطلاقاً من دافعَين أساسيين، بحسب مصادر معنية: ضغط خارجي لحصول الانتخابات وإلّا العقوبات على أقلّ تقدير، أحد في لبنان لا يجرؤ على تعطيل الانتخابات وغير قادر على أن يتحمّل تأجيلها، وذلك لأنّ «هذه المرّة غير كلّ المرات»، فالبلد على شفير السقوط الكلّي، وبالتالي إنّ إفراغ المؤسسات الدستورية وتَعذُّر إدارة دولة منهارة سيفتح الباب على شتى الاحتمالات، تبدأ بفوضى وحكم انتقالي ووضع اليد الدولية على البلد ولا تنتهي بتغيير النظام وحتى تركيبة الدولة، الأمر الذي لا يحصل سلمياً كما دلّت التجارب التاريخية في لبنان، بل بعد حرب مفتوحة وآلاف القتلى، خصوصاً أنّ هناك طرفا مسلّحا في البلد ويريد أن يحمي وجوده ودوره.
في حين يرى البعض أنّ الانتخابات النيابية المقبلة لن تغيّر شيئاً في واقع الحال، إذ إنّ الطبقة السياسية الحاكمة نفسها ستفرزها صناديق الاقتراع مجدداً مع تغييرات بسيطة، وخسارات وربح ضمن الطبقة نفسها، تعتبر جهات عدة أنّ هذه «انتخابات المفاجآت»، وتعوّل على غضب الناس من الواقع المزري الذي يعيشونه بسبب سياسات هذه السلطة وفسادها. كذلك إنّ الأحزاب التقليدية والأفرقاء المتخاصمين يعوّل كلٌ منهم، من جهته، على هذه الانتخابات، فيعوّل المعارضون و»السياديون» لانتزاع الغالبية النيابية من «حزب الله» وحلفائه، وبالتالي، وبحسب وجهة نظرهم، لتحرير لبنان من هذا «الاحتلال» و»عهد الفساد»، وإعادة البلد الى دوره وعلاقاته تمهيداً لنهوضه. ويعوّل الفريق المقابل أي «حزب الله» تحديداً مع حلفائه للحفاظ على الأكثرية النيابية، لتجديد الشرعية الشعبية ورقةً في وجه الداخل والخارج لحماية «سلاح المقاومة»، ومدخلاً الى التأثير الأساس في تشكيل الحكومات وانتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى رغم أنّ جميع الأفرقاء يتبادلون الاتهامات بمحاولة تطيير الانتخابات أو تأجيلها، يؤكد كلّ طرف تمسُّكه بحصولها. وبمعزل عن حقيقة موقف أي طرف داخلي، يتمسّك المجتمع الدولي بضرورة إجرائها، لمنع الفراغ في لبنان وبالتالي الحؤول دون انهياره التام وتشكيله أزمة جديدة لا تنحصر مفاعيلها محلياً، في بلدٍ على حدود اسرائيل يملك فيه «حزب الله» ترسانة من الاسلحة، وفي بلدٍ يستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، كذلك في بلدٍ يحوي نفطاً وغازاً في مياهه البحرية، حيث يضع الغرب نظره على هذه الثروة، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي يهمّها وتسعى الى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وبالتالي تريد وجود سلطة تُفاوِض معها في هذا الملف، وبلا انتخابات نيابية لا حكومة ولا رئيس للجمهورية ولا سلطة ولا قرار.
لذلك يعتبر البعض أنّ هذه الانتخابات النيابية مؤشر الى انفراج، بحيث يتكوّن مجلس نيابي جديد منبثق من إرادة اللبنانيين، وبالتالي يمثّل خياراتهم، تمهيداً لتحديد الخيارات الوطنية إزاء كلّ القضايا والملفات، من التعافي المالي والاقتصادي ومعالجة الأزمة القائمة مروراً بالاتفاق مع صندوق النقد والعلاقات والاتفاقات والتوجهات الخارجية الى ملف الترسيم. وذلك لأنّ جهات عدة تعوّل على أن يكون الاستحقاق الانتخابي فاتحة لتحريك الدماء في الشرايين اللبنانية، للخروج أقلّه من حال المراوحة داخل دوامة الأزمة منذ تشرين الأول 2019، وهذا لا يعني «هبوط» حلول سحرية بل الخطوة الأولى على طريق مغاير، يفتح بدوره الباب أمام احتمالات عدة، إمّا بداية الى انفراج أو انفجار قد يكون شاملاً بعد استحالة التغيير بالوسائل الديموقراطية والاستحقاقات الدستورية، فيحين وقت «المؤتمر التأسيسي» أو العقد الاجتماعي الجديد، إنما هذا بدوره أسهل حصوله في ظلّ مجلس نواب جديد مُنتج من الشعب، وليس مجلس نواب مشكوك بشرعيته بعد ثورة شعبية وأزمة شاملة وحال انهيار.
الى ذلك، ظهرت أخيراً مؤشرات وتطورات تدلّ الى تحضير لتغييرٍ ما في البلد، وهذه العوامل الثلاث برزت تزامناً: إعلان زيارة قداسة البابا فرنسيس للبنان في 12 و13 حزيران المقبل أي بعد أقل من شهر على الانتخابات النيابية، التوصّل الى «اتفاق مبدئي» مع صندوق النقد الدولي وعودة سفراء دول مجلس التعاون الخليجي الى بيروت. وعلى أهمية هذه التطورات ودلالاتها، ترى جهات سياسية أنّها ليست وليدة اللحظة، ومن المرجح أن يكون تزامنها صدفةً، إذ إنّ زيارة البابا للبنان مطروحة منذ سنوات، وسبق أن أعربَ الحبر الأعظم بنفسه عن هذه الرغبة، وقد يكون توقيتها في حزيران تشجيعاً لإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة سريعاً، ورسالة دعم لهذا البلد للحفاظ على التوافق والعيش المشترك، وليس أبعد من ذلك، كما يروّج أو يتمنّى البعض. أمّا «الاتفاق المبدئي» مع صندوق النقد فأتى بعد أشهر من المفاوضات شبه اليومية ولساعات طويلة. وبالنسبة الى عودة سفراء بعض دول الخليج، فهي ترجمة للمبادرة الكويتية، ومنتظرة منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسعودية والاتصال الثلاثي بين ماكرون وولي العهد السعودي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وترى هذه الجهات أنّ الانتخابات إذا مرّت بسلاسة فقد يشهد البلد هدوءاً في المرحلة اللاحقة، ونوعاً من الاستقرار السياسي يساعد على المستوى الاقتصادي للخروج من الدوران في حلقة مفرغة.
كذلك تشير مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي» الى أنه لا حلّ الّا عبر الانتخابات، وبعدها، وبحسب ما يكون شكل مجلس النواب، يُحكى بالاستحقاقات الأخرى والنظريات المطروحة، إذ إنّ «الانفجار» في البلد ممنوع، و»الذي يملك القوة لا يريد افتعال مشكلة، وهذا قرار حاسم، فنحن لن نقبل أن نعود خطوة واحدة عن السلم الأهلي». وتسأل: «من سيحمل السلاح ويقاتل؟»، معتبرةً أن «لا إرادة لدى اللبناني بأن يقاتل اللبناني». وتجزم أن «لا مجال الّا للحوار، وليس أمام اللبنانيين إلّا أن يتّفقوا، فلا عداوة في الداخل بل خصوم سياسيون، وغير دائمين أيضاً، فمن يكون اليوم خصماً قد يكون في الغد حليفاً، وأي تغيير في هذا البلد على أي مستوى يتطلّب الاتفاق».