ترأس بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الصلاة الجنائزية لراحة نفس البروفسور روي نسناس في مطرانية بيروت للروم الكاثوليك، عاونه المطارنة جورج بقعوني وادوار ضاهر وايلي حداد وكيرللس بسترس ورؤساء عامون ولفيف من الكهنة، في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب نقولا الصحناوي، ممثل رئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء نجيب ميقاتي النائب علي درويش ممثلا، نقيب الأطباء شرف ابو شرف وعائلة الفقيد وشخصيات سياسية وأمنية واقتصادية واطباء وممرضون.
بعد الانجيل المقدس، ألقى العبسي كلمة عدد فيها مزايا الفقيد، وقال: “المسيح قام. حقا قام. بهذا السلام الفصحي الذي نتبادله في هذه الأيام نعبر نحن المسيحيين عن إيماننا بقيامة السيد المسيح من بين الأموات، هذه القيامة التي قامت عليها المسيحية والتي إن سقطت سقطت معها وكنا نحن المسيحيين أشقى الناس أجمعين كما يقول القديس بولس الرسول. ولكن لا، يضيف بولس، فإن المسيح قد قام من بين الأموات باكورة للراقدين. يعني أن السيد المسيح هو أول من قام من بين الأموات وسوف يقوم معه ومن بعده كل من يؤمن به كما أكد لنا هو نفسه بقوله: أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا”.
أضاف: “هوذا نحن الآن في هذه الصلاة الجنائزية الخشوعية الوداعية نحتفل بهذه الحياة الجديدة التي صارت لأخينا الراقد روي نسناس، الحياة مع الرب يسوع الذي أقامه معه إلى الملكوت السماوي أمس الأول، في غداة قيامته، عن عمر ناهز السبعة والستين عاما، بعد معاناة قاسية من المرض تحمله بإيمان وصبر ورضى، وفي ذلك تعزية من الرب لعائلته ولنا إذ يتمتع الآن مع الذين سبقونا بالترنيم للرب القائم من بين الأموات الذي غلب الموت بموته فحوله إلى حياة وغلب الألم بآلامه فحوله إلى خلاص”.
واعتبر أن “أمام حتمية الموت وأمام سطوة المرض يقف المرء حائرا ذاهلا بل أيضا رافضا ثائرا. فيتساءل: “ما هو يا رب هذا التدبير؟ لماذا الحياة هكذا؟ كنز ثمين موضوع في آنية من خزف هشة وسهلة العطب؟”. كثيرون حاولوا أن يجيبوا كل على طريقته. كثيرون حاولوا أن يفسروا كل على طريقته. إنما التفسير غير الواقع. فالموت والألم مهما وجدنا لهما تفسيرا يبقيان موجعين وجعا مبرحا. والسيد المسيح لم يشأ أن يعطي تفسيرا أو شرحا كباقي الناس، بل أراد أن يشاركنا في آلامنا وموتنا فتألم هو نفسه ومات، مدللا بذلك على مدى حبه لنا ومعلما إيانا أن الألم والموت لا يزولان أو لا يخفان إلا بالحب”.
وأشاؤ إلى أنه “لقد تألم المسيح ومات لكي يعلمنا أن نرضى بالألم والموت كواقع لا مفر منه، إنما كواقع ليس بدائم بل واقع خلفه القيامة. لقد تألم ومات لكنه قام في الختام. وكأني بالسيد المسيح يقول لنا ليس المهم أن لا نتألم أو أن لا نموت بل المهم، إن أصابنا ألم أو موت، أن لا يقضي علينا الألم والموت قضاء نهائيا. إن المهم أن نرى ما هو خلف الألم والموت، أن نرى الحياة، فالانتصار ليس في النهاية للموت بل للحياة. من أجل ذلك دعا يسوع تلاميذه إلى الفرح في ليلة مضيه إلى الآلام والموت بقوله: “أعطيكم فرحي”، وقال لهم إن هذا الفرح لا يسع أحدا أن ينتزعه منهم، لأنه إن انتزع منهم الفرح ماتوا. الموت هو أن يزول الفرح من قلوبنا، ذلك الفرح الناجم عن رجائنا بالقيامة”.
أضاف: “منذ أن كان على مقاعد الدراسة في مدرسة الفرير – الجميزة ومن ثم في مدرسة المون لاسال، وبعدها في الطبية في الجامعة اليسوعية، لمع الدكتور نسناس بنبوغه العلمي وتفوقه على دفعته على مدى السنوات الدراسية. كذلك لمع في متابعة دراسته في باريس وتولوز للتخصص في الطب الداخلي والأمراض الإنتانية. ولما عاد إلى الوطن كانت مسيرته الطبية على مدى سبعة وثلاثين عاما حافلة بالعطاءات انكب فيها على متابعة ملفات المرضى وعلى الاطلاع على مجريات الأبحاث العلمية الطبية من دون هوادة، لا يعرف معنى للاستكانة، يبحث في المنشورات الطبية حتى في أوقات الراحة ويتابع الحالات المرضية التي كانت بين يديه. وكم تبين كل ذلك خلال المعركة التي قادها في وجه وباء الكورونا إذ سعى لنشر التوعية حول هذا المرض. وحين لمس الخطر يحدق بالمشافي اللبنانية، أكان من حيث شح المواد الطبية الأساسية أم من حيث هجرة الأطباء والكادر الطبي لم يتوان في أن يرفع الصوت، مثبتا أنه إنسان وطني من الطراز الأول كرس حياته لخدمة أبناء بلده”.
وتابع: “كان الدكتور روي حقا إنسانا وطبيبا استثنائيا وشكل بقناعاته الإنسانية وإيمانه المسيحي وممارسته للطب حالة نادرة جذابة أثر بكثيرين، ولمس حياة كثيرين وشفى الكثيرين ومنهم من يدين له بحياته. وقد حفلت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بالشهادات من أصدقاء وزملاء ومرضى يتكلمون فيها عن اختبارهم الشخصي والفريد والذي لا يتكرر من خلال تعاطيهم مع الدكتور روي. شفى الكثيرين من حالات مرضية صعبة ونادرة ولكنه لم يستطع أن يتغلب على مرضه الخاص. لم يتغلب عليه طبيا لكنه تغلب عليه بأن بقي محافظا على شجاعته وإيمانه حتى آخر لحظة رغم الآلام المبرحة التي مر بها”.
وأردف: “في هذه الصلاة الخاشعة الساكنة تذكر الكنيسة الله بتدبيره الخلاصي في السعادة الأبدية للانسان وتطلب إليه أن يشمل به أخانا روي نسناس، أن يعيد إليه حقه في أن يكون مواطنا في الفردوس وفي السماء. في هذه الصلاة نتجرأ على الله ونقول له إن لأخينا روي الحق في استرجاع صورته وفي استعادة هويته الإلهية، إذ قد استطاع، من خلال ما من به الله عليه على هذه الأرض من مواهب، أن يكون شاهدا على السيد المسيح وعلى إنجيله وأن يكون مثالا للمحبة التي هي جوهر سلوكنا المسيحي، مثالا في محبته لله وفي محبته للانسان الذي هو على صورة الله. في كل إنسان محتاج وضعيف ومسكين كان يرى صورة يسوع المتألم. لذلك بانتقال الدكتور روي نسناس يخسر لبنان واللبنانيون طبيبا لامعا وباحثا سباقا وعالما متواضعا وإنسانا مؤمنا قل نظيره عرف كيف يجمع بين الإيمان والعلم ومحبة العائلة والناس والعمل”.
وختم: “باسم سيادة الأخ المطران جورج بقعوني راعي الأبرشية، وباسم إخوتي السادة المطارنة المشاركين، وأبنائي الكهنة المصلين، وباسم كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، وباسم الشخصي، أقدم التعزية الصادقة لزوجته وابنيه وابنته، وإلى عائلته، وإلى الأقارب والأصدقاء وزملائه في الجسم الطبي وإلى جميع معارفه. لتكن حياة الدكتور روي والإرث الذي تركه تعزية لنا ودافعا لنسير في قناعاته الإيمانية والإنسانية. ولنصل معا إلى الرب يسوع طبيب النفوس والأجساد أن يمتعه بنور قيامته الذي لا مساء له منشدين مع الكنيسة نشيد إيمان الكنيسة الكبير، نشيد انتصار الحياة على الموت: “المسيح قام من بين الأموات ووطىء الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”.
الصحناوي
وقال ممثل رئيس الجمهورية: “نلتقي اليوم في وداع كبير من كبارنا، البروفسور روي نسناس، الذي غادرنا بعد نضال كبير لمواجهة المرض الذي فتك به وهو في عز العطاء، وهو ايضا الذي تصدى لجائحة كورونا واستطاع ان ينقذ الالاف الذين عز عليهم رحيله، وها هو لبنان يشارك في وداعه، لان الراحل الكبير لم يكن ليميز بين منطقة واخرى، بل كان عابرا لكل المناطق، ساعيا الى معالجة مريض، وتوعية اللبنانيين الذين تابعوه على شاشات التلفزة ووسائل الاعلام مرشدا وموجها وناصحا ومعالجا”.
أضاف: “رغم مرضه العضال أبى راحلنا الكبير ان يغيب يوما عن مرضاه وزملائه في المستشفيات التي عمل فيها، وعن طلابه الذين نهلوا منه علما ومعرفة وخبرة، وكان زاده ايمان كبير بالوطن الذي أحب والمهنة الرسالة التي مارسها بإخلاص وتضحية وفاء لقسم ردده بعد تخرجه”.
وتابع: “لم أتحدث عن البروفسور نسناس، الطبيب الانسان الذي مهما قلناه فيه لن نفيه حقه، وهو الذي كان على تماس مع مرضاه، يعمل بكل ما أوتي من علم ومعرفة لشفائهم، وهو الذي خلال جائحة كورونا أنقذ كثيرين من هذا الوباء الشرير الذي اجتاح العالم، فيما عجز الطب عن انقاذه هو من براثن المرض الخبيث الذي فتك به”.
وأردف: “أيها الفقيد الغالي، فيما تغادرنا اليوم بعد سنوات من العطاء اللامحدود، وتترك في نفوس عائلتك وزملائك وعارفيك حزنا وألما كبيرين، لا سيما لدى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي عرفك وثمن عاليا جهدك، وهو تقدير لعطاءاتك في المجالات الطبية والانسانية والاجتماعية، منحك وسام الاستحقاق اللبناني الفضي ذي السعف، وكلفني فشرفني ان أمثله اليوم في وداعك وان أضع هذا الوسام على نعشك في يوم وداعك ليضاف الى الكثير من الاوسمة المعنوية التي استحققتها في مسيرتك الانسانية والطبية”.
وختم: “أصدق التعازي باسم فخامة الرئيس العماد ميشال عون الى عائلة فقيدنا الغالي، وآل نسناس الكرام، والجسم الطبي والاداري في المستشفى اللبناني في الجعيتاوي وزملاء الفقيد نقيبا واطباء، والى كل من عرفه وقدره او شفي على يده. رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه مع البررة والصديقين”.