IMLebanon

الثورة آتية بعد الإنتخابات!

كتب المحامي عبد الحميد الأحدب في اللواء:

أخشى من نتائج الإنتخابات النيابية ان تأتي مخيبة للآمال لسببين:

أولاً: قانون الإنتخاب وضعته أجهزة المخابرات ليبقى أزلامها ويعود الى السلطة وهو اسوأ قانون انتخاب في العالم والتاريخ. وهو موضوع على قياسات جبران باسيل وحزب الله: نائب يفوز بـ 25 صوتاً ومرشح يسقط بعشرة آلاف صوت والرشوة والمال اساس هذا القانون! وبين الصوت التفضيلي والحاصل واللائحة المترابطة، هذا القانون يربط علاقة الناخب بالمرشح مذهبياً وليس وطنياً، يُسقط العلاقة الوطنية، قانون مذاهب! الخ… الخ…

وثانياً: ان المعارضة منقسمة بشكل مخجل حقاً، فبدلاً من ان يخوض الثوار معركتهم الإنتخابية في لوائح موحّدة، نجد احياناً ست او سبع لوائح من المعارضة ضد لائحة السلطة!

وهذه ليست روح انتفاضة 17 تشرين، بل هي انحراف وانانية ومصالح للإستفادة من الإنتفاضة وهي عقليات تُمثِّل نفس عقلية الطبقة الفاسدة التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه من انهيار ليَحل فساد مكان فساد!

وهذا الوضع يُنبئ بأن الطبقة الحاكمة منذ ثلاثين عاماً ستعود حتى أقوى وأفسد مما هي عليه! واذ ذاك سيشهد لبنان انفجاراً وثورة اصيلة هذه المرة مكلفة كثيراً! ستأتي على الأخضر واليابس!

مرحلة الثورة ما زالت على أشدّها، والمجتمع في لبنان يعاني القلق من احواله وضعف الثقة بمستقبله، والآن حتى بالمعارضة تكاد الثقة تضيع بمعنى احساس اللبناني المتزايد مع كل يوم بأن اموره لم تعد تتفق مع آماله، وأنّ واقعه لم يعد مُتَّسقاً مع أمانيه، وأن التغيير أصبح مطلباً يزداد إلحاحه كل يوم، ثم ان الغضب يساور اللبناني والإستفزاز يستثيره وان مشاعره تتحول الى شحنات مكبوتة تبحث عن منفذ، تكسر به قيدها المذهبي وتحرر ارادتها، فلما دقت الساعة في الإنتخابات، ذهب رواد من الثورة الى سبع وثماني لوائح انتخابية في مواجهة لائحة السلطة!

في 17 تشرين كانت بداية الإنفجار، ولكن «كورونا»، هذا المرض الخبيث، اجبر الناس على حجر انفسها في منازلها، ولما اخذت غيوم «الكورونا» تتراجع، عادت الإنتفاضة خجولة، لاسيما وأن قمعها على يد قوات مجلس النواب كان عنيفاً واجرامياً، وجرى اطلاق النار على عيون المتظاهرين!

الآن نحن امام انتخابات بعد اسبوعين، والسلطة، ومعها حزب الله أعدوا العدة، والمعارضة أعدّت لهم لوائح متفرقة متنوعة لتسقط كلها وتثبت انها لم تكن ثورة ولم تكن موحدة بل مبعثرة، كل ثائر يغني على ليلاه! والسلطة تعد العدة لحرمان المغتربين الذين هم بيضة القبان في الاقتراع المعارض، تعد العدة لإقصائهم عن الإنتخابات! والآتي أعظم: مجلس نواب صورة عما سبقه من فساد ومفسدين والمعارضات في الشوارع! واذ ذاك يقع الإنفجار يشعل فتيل الشحنات المكبوتة! واذ ذاك فإن سلاسل القيد تنكسر، واذا السلطة القائمة تعجز عن المواجهة فتستعين بميليشيا حزب الله لتنشب حرب اهلية، اين منها حرب «بوسطة» عين الرمانة، فينهار القديم على رؤوس الجميع! ويتقدم من يمثل حقيقة الثورة ووحدتها، فيضع اسس ويقيم الأعمدة لبناء قوي. يمكن ان يُقال ان حركة 17 تشرين كانت بداية الثورة، ولكن مرض «الكورونا» قد حجرها في بيوتها، ثم خرجت من بيوتها متفرقة مبعثرة الى الانتخابات لتشكل انتكاسة، سرعان ما تعيد الظروف الفاسدة والبائدة الثورة الى حقيقتها بعد انتخابات مجلس نيابي على قانون من صنع المخابرات، يأتي بنفس الطبقة الفاسدة ويظهر تبعثر الذين انبروا الى الثورة في جولتها الأولى التي تعطلت فتكون تجربة الثورة السلمية قد انتهت وننتقل بعد الانتخابات الى ثورة دموية موحدة! الثورة التي لن يُمكِّنها قانون الإنتخابات وألاعيب السلطة في منع المغتربين من التصويت. هذه الثورة التي ستُبقيها السلطة وفسادها وقوانينها الفاسدة خارج البرلمان، ستصبح ثورة اقوى، ولكن في الشوارع هذه المرة!

حرب أهلية، سمِّها ما تشاء، ولكن الأكيد ان الطبقة الفاسدة ستسقط هذه المرة دموياً، ولن يبقى في لبنان حجر على حجر!

ان الحكم الفاسد سقط في 17 تشرين، ولكنه لم يرحل، بل زاد عربدة على عربدة لاسيما في هياكل القضاء، والحكم الذي سقط في 17 تشرين ولم يرحل، يحاول بالإنتخابات المزورة بقانون الإنتخاب وبمنعه المغتربين من الإقتراع.

هذا الحكم الفاسد بكل طبقته يريد بغريزة وحش جريح أن يتمسك بموقفه وأن ينتقم ولا يبالي في سبيل ذلك بأن تحدث فتنة كبرى.

في وسط زحام التحضير لـ 15 أيار من ساسة بغير سياسة، تحركهم أوهام قديمة وأحلام مستجدّة، وهؤلاء هم الذين أسقطوا الثورة السلمية في الانتخابات، ولكن في خضم هذا الزحام صفوة من الرجال والنساء لا يعرفون كيف يمكن ان يتحركوا في الأزمة، وكثيرون منهم يتحركون بقوة العاصفة ولكن دون بوصلة!

وعنصر الوقت ليس مع أحد، ولكنه ضد الجميع من الأمن، إلى الاقتصاد، إلى السياسة والقرار، إلى الأمن القومي، إلى ضرورة إعادة لبنان لأصله وفصله بعد الانتخابات في 15 أيار بالتي هي احسن- ولن تنجح- فلا يبقى إلاّ التي هي أسوأ: الثورة في الشوارع والعنف والدماء، هناك شعب يريدون تغييبه وكنا نقول: «يا ليل الظلم متى غده؟

بعد 15 أيار، الثورة الحقيقية الدموية! ثم بعد ذلك يأتي لبنان، بالدرجة الأولى الكفاءة والنزاهة والأمانة! وتاريخ يشهد على ذلك!

ونأتي إلى سلطة ما بعد سقوط مجلس 15 أيار والثورة، نأتي إلى الكفاءات، وهي كثيرة في هذا البلد، وكلّها على طريق الهجرة! في هذه المرحلة نحتاج اولاً إلى الأخلاق، إلى أمثال فؤاد شهاب وريمون إده!!!

إذ ذاك يجب أن يكون هاجسنا هو المستقبل، لأن هذا المستقبل تعطّل طويلاً، فنحن في بلد عاش 30 سنة في الحروب الأهلية والركود والفساد، وإزاحة هذه النفايات ستكلفنا لأن الانتخابات التي ستكون مزوّرة بحكم القانون، لن تحل المشكلة!

نحن بعد 15 أيار ومجلسها المنسوخ على المجلس البائد الفاسد، قيمتها أنّها ستكون موصولة بعصرها ولا توجد ثورة تقاس على ثورة. فالثورة الفرنسية كانت لها ظروفها، والثورة الروسية كانت لها ظروفها، والثورة الصينية كانت لها ظروفها، والثورة المصرية كانت لها ظروفها كما ثورة إيران الإسلامية التي تحولت وبالاً على إيران وعلى المنطقة!

ثورتنا اللبنانية ستكون بحاجة، كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه «مصر إلى أين؟»، الى ديغول لبناني الذي تَصلح تجربته عندنا، فهو رجل جاء كمنقذ، ووقف في الحرب العالمية الثانية ومثّل روح إرادة فرنسا، وقال أن فرنسا لن تستسلم والدليل وجود حركة فرنسا الحرة.

نحن مقبلون على مرحلة تاريخية تحتاج الى رجال عظام، فليست لدينا أحزاب بالمعنى الحقيقي، في الشارع اليوم تراكم طبقات بعد طبقات بعد طبقات كان مكبوتاً وهو ذاهب إلى الإنفجار بعد 15 أيار، كان مكبوتاً وسينفجر كالبركان يعبر عن نفسه.