كتب “أساس ميديا”:
ما الذي حصل في توزيع أسماء الناخبين المغتربين في ولاية سيدني الأسترالية؟ وهل هو خطأ تقنيّ مقصود لأهداف انتخابية؟ هل يدفع التيار الوطني الحر لـ”ضرب” أصوات محتملة للقوات اللبنانية؟ أم أنّ السبب هو ضعف “طبيعي” في إمكانات وزارة الخارجية، وعدم وجود كادر موظفين كفيل بتغطية احتياجات العملية الانتخابية؟
فقد تسبّب توزيع الناخبين في سيدني بسجال عنيف بين التيار الوطني والقوات، وتبادل اتّهامات بالتعطيل. لا سيّما بعدما تقدّم نواب القوات في مجلس النواب من رئيس المجلس نبيه برّي بطلب حجب الثقة عن وزير الخارجية عبد الله بوحبيب. وذلك بناءً على اتّهامه بالعمل على إثارة بلبلة في توزيع أقلام اقتراع المغتربين في أستراليا. القوات تتهمه بأنّه وضع عراقيل أمام إمكانية وصول الناخبين إلى أقلام الاقتراع، عبر “خطة” توزيع ناخبين من منطقة جغرافية واحدة على مراكز متباعدة. واتهمت القوات القنصل العام في سدني شربل معكرون المحسوب على التيار الوطني بتوزيع لوائح شطب اللبنانيين المسجلين للانتخابات بشكل يحول دون انتخابهم وهو ما استدعى نفيا من التيار الذي استغرب اتهام القوات بينما لوائح الشطب لم تصدر بعد ولم يبلغ الناخبين عن أقلام اقتراعهم.
يروي لـ”أساس” أحد المسؤولين في تيار سياسي بارز، وهو مقيم في سيدني، تفاصيل ما حصل على الشكل التالي: وفق العادة، وكما حصل في الدورة السابقة، كان يتمّ توزيع الناخبين من الدائرة نفسها في منطقة واحدة. لكنّ الجديد توزيع ناخبي دائرة الشمال الثالثة على أكثر من عشرة مراكز اقتراع في مناطق متباعدة جغرافياً. ما يهدّد بخفض نسبة الاقتراع. لأنّ المغترب الذي يقصد قلم اقتراع ولا يجد اسمه مسجّلاً يعود أدراجه إلى منزله ولا يتكبّد عناء البحث عن اسمه في مراكز أخرى. ولن ينتخب الأب في مدينة والأم في مدينة أخرى والأولاد في مدينة ثالثة. وهذا يفهم منه أنّ الهدف منه منع الآلاف من الاقتراع، لأنّ أصواتهم شبه معروف توجّهها.
فقد اعتمدت وزارة الخارجية توزيعاً على أساس الرمز البريدي وليس التوزيع المناطقي وفق التوزيع اللبناني، وذلك بالتوافق مع وزارة الداخلية. وانسجاماً مع ما يحدّده القانون من تخصيص قلم اقتراع حيث يزيد عدد الناخبين المسجّلين في بلاد الاغتراب على 200، فقد كان من الضروري فتح عدد كبير من مراكز الاقتراع في ولاية سيدني حيث بلغ عدد الناخبين المسجّلين 17,000، أي بزيادة 7 آلاف على العدد المسجّل في الدورة السابقة 2018. لكن صعب على وزارة الخارجية توفير عدد كبير من المراكز، بالنظر إلى ضعف الإمكانات وقلّة عدد الموظفين. إذ لا توجد أعداد كافية من الكادر البشري لتغطية كلّ المراكز، فاستوجب ذلك تقليص عددها 46 قلما في سدني و5 أقلام في كمبرا.
بدأت الأزمة، وفق مصادر سياسية متابعة في سيدني، منذ مدّة مع استقالة معظم الموظفين في قنصلية سيدني بسبب تأخّر صرف رواتبهم، فلم يبقَ إلا 40 من أصل 140 موظفاً.
للتذكير، فإنّ انتخابات 2018 ك شارك فيها 300 إداري بين سفراء وموظفين أتى بعضهم من لبنان. لكن اليوم من المستحيل توفير هذا العدد. ما يضع الانتخابات أمام معضلة كبرى من ناحية المراقبة وتلبية متطلّباتها.
في السياق السياسي يمكن فهم أبعاد تحديد الرئيس برّي موعداً لجلسة نيابية، استجابةً لطلب نواب القوات طرح الثقة بوزير الخارجية. فهو يدخل في سياق تصفية حسابات سياسية غداة السجال المتجدّد بين بعبدا وعين التينة.
تحديد موعد للجلسة، إن حصل فعلاً، سيكون موضع استغراب، خاصةً في ظلّ معلومات تؤكّد أنّ محاولة طرح الثقة بوزير الخارجية، إن حصلت، ستتبعها حكماً استقالة الوزراء المسيحيين المحسوبين على التيار الوطني الحرّ من الحكومة. وهو ما سيضع مصير الحكومة على المحكّ. فهل المطلوب الإطاحة بالحكومة عشية الانتخابات؟
نيابيّاً وخارج نطاق كتلة القوات، كان الأمر مدعاة للاستغراب لأنّه أتى خارج سياق الأحداث الحاصلة. دستوريّاً يفترض بالرئيس برّي وهيئة مكتب المجلس بتّ الطلب خلال مهلة خمسة أيام، وهذا ما فعله رئيس المجلس. لكنّ الجلسة لها مقتضيات لجهة النصاب. فهل يتوافر النصاب المطلوب أم لا؟
مصادر نيابية قالت إنّ الكتل النيابية بصدد الاجتماع لاتّخاذ الموقف، لكنّها رجّحت أنّ الأكثرية المطلوبة لحجب الثقة غير متوافرة، وربما يتعذر تأمين نصاب هذه الجلسة أصلاً.
واستباقاً لانعقادها أُجريت مجموعة اتصالات لاحتوائها. فقد اتّصل برّي لإبلاغ بوحبيب بطلب القوات، ومثله فعل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. لكنّ مصادر سياسية متابعة قلّلت من أهميّة الخطوة، وقالت إنّ التقدّم بطرح الثقة لا يعني أنّ الثقة طُرحت بوزير الخارجية بالنظر إلى وجود أحزاب وقوى سياسية تعارض توجُّه القوات وتعتبر أنّ ما حصل لا يشكّل الخطأ الفادح الذي تحدّثت عنه في كتابها إلى مجلس النواب.
مصادر وزارية معنية نفت وجود خطأ بالشكل الذي تحدّث عنه نواب القوات. وقالت إنّ الطريقة التي يطالب رئيس حزب القوات سمير جعجع باعتمادها في التوزيع تُعرِّض الانتخابات للطعن دستورياً. وكشفت أنّ النائب جورج عدوان استفسر من بوحبيب حقيقة الأمر وطالب الخارجية أن تعتمد التوزيع ذاته الذي اعتُمد في الدورة السابقة والذي يقوم على توزيع الناخبين وفق مناطقهم في لبنان وليس على أساس رمز بريدي.
وأوضحت المصادر لـ”أساس” أنّ وزارة الداخلية التي يفترض بها أن تبتّ الأمر رفضت أيضاً اقتراح القوات، مرجعةً اعتراض القوات إلى أنّ مكاتبها سجّلت الناخبين على أساس مناطقهم وليس على أساس رمز بريدي واعتمدت تقسيم 2018، بينما اعتمدت الخارجية رمزاً بريدياً. وبحسب المصادر فإنّ هذا لا يعني أنّ التقسيم خاطىء، بل إنّ ماكينة القوات فيها خلل. ونفت أن يكون لرئيس التيار الوطني جبران باسيل أيّ علاقة بالموضوع من قريب أو بعيد، خاصة أنّ المتعارف عليه هو أنّ سيدني الأسترالية هي معقل القوات انتخابياً.
وقالت مصادر سياسية أخرى لـ”أساس” إنّ السبب الرئيسي هو خشية القوات من أن يكون في الجالية الأسترالية التي كانت تقترع للقوات مَن سيقترع هذه الدورة لقوى أخرى اعتراضية خارج القوات.
من ناحية الكتل النيابية استبعدت مصادر نيابية أن يُصار إلى التصويت لطرح الثقة بالوزير بوحبيب، باستثناء كتلة الحزب التقدّمي الاشتراكي، علماً أنّ رئيس الحزب وليد جنبلاط وخلال آخر اجتماع مع بوحبيب الأسبوع الماضي، لم يفاتحه بالموضوع.
وضعت مصادر وزارية الخطوة في إطار محاولات تعكير الأجواء عشيّة الانتخابات النيابية والإيحاء بوجود مشاكل للتشكيك في مصداقية العملية الانتخابية. وشكّت في إمكانية توافر النصاب المطلوب لطرح الثقة، وقالت: “ربّما تتحوّل إلى جلسة ثقة جديدة بالوزير لأنّ طرح الثقة به يأتي خارج السياق ولا يركن إلى أسباب موجبة”.
قد يكون المخرج للمشكلة أعلاه إرسال رسالة هاتفية عبر الخلويّ، إلى كلّ ناخب، تعلمه بمركز الاقتراع المخصّص له في الثامن من أيّار المقبل. وتؤكّد مصادر الخارجية أنّ اقتراح القوات اعتماد التوزيع القديم مرفوض، وإذا كان من شكوى فليتمّ التقدّم بها إلى لجنة الإشراف على الانتخابات، أو أمام المحاكم المختصّة، والحلّ عادة لا يكون بطرح الثقة بالوزير.