IMLebanon

المعركة الانتخابية: اقتراع قليل ومال كثير!

كتب حسين زلغوط في “اللواء”:

على مسافة تسعة عشر يوماً من الموعد المقرّر لإجراء الانتخابات النيابية، ما تزال الآراء السياسية وكذلك الشعبية متضاربة حول مصير هذا الاستحقاق، فالبعض يرى أن الانتخابات حاصلة ولا مبرر على الإطلاق لتأجيلها، مستندين بذلك على الضغوط الدولية لحصول ذلك وربط التزام لبنان بإجراء الانتخابات بصورة شفافة للبدء في تقديم المساعدات الدولية له، فيما البعض الآخر يشكك بإمكانية حصول الانتخابات ويعزو ذلك إلى إمكانية أن يأخذ سعر صرف الدولار المنحى التصاعدي بشكل لا يعود ما رصد من أموال لإجراء الانتخابات يكفي لاتمام هذه المهمة، ناهيك أيضاً عن امكانية أن يترافق ذلك مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والمحروقات وما يترتب عنه من تحركات شعبية على الأرض، بما يؤدي الى تعذر تأمين المناخات الملائمة لاجراء هذه الانتخابات، فضلاً عن رغبة أطراف سياسية بتأجيلها بعد ان أيقنوا ان الانتخابات بشكلها الراهن لن تؤدي الى حدوث أي متغيرات على الخارطة السياسية لناحية الأكثرية والأقلية.

وفي مقابل هذا الرأي وذاك هناك رأي رمادي يدعو إلى عدم استباق الأمور، ويقول ان الأوضاع مرهونة بأوقاتها، مع التشديد بأن عدم حصول الانتخابات يزيد الأوضاع سوءاً، ويزيد الطين المعيشي بلة، وبغض النظر عن المصير المحتمل للانتخابات، فإن المشهد السياسي الراهن الذي يتقدّم الموعد المحدد لإجرائها يوحي بأن كل الأطراف تعمل على أساس أن المنازلة الانتخابية هي مصيرية، وأنها ستكون حجر الأساس لتحديد صورة لبنان سياسياً وفي علاقاته مع الخارج، ولذلك فإنه غالباً ما تحمل مضامين لخطابات التي يلقيها المرشحون في مهرجاناتهم الانتخابية الشحن الطائفي والمذهبي وشد العصب، كون ان المعركة ستكون معركة كسر عظم، وهذه الخطابات النارية ينتظر لها أن تشتد مع بداية الشهر المقبل، حيث يكون كل شيء مباحاً في إطار الأسلحة التي سيستخدمها كل فريق سياسي لتعزيز وضعه الانتخابي ولتهشيم صورة منافسيه.

وفي قراءة لمصدر سياسي متابع لمجريات ما يجري، فإن المشهد العام في لبنان غير مريح، وهو يعرب عن خوف كبير لديه من أن تؤدي الاحداث المتنقلة والتطورات المختلفة، لا سيما النقدية منها والاجتماعية إلى تهديد الانتخابات لناحية حصولها في موعدها في منتصف الشهر المقبل.. وإذا كان هناك شبه إجماع لدى المعنيين من أن الأوضاع بأنواعها المختلفة ممسوكة، فإن هذا المصدر لا ينفي امكانية خروج هذه الأوضاع عن السيطرة، وبالتالي دخول البلد في أزمات متنوعة تجعل التسليم لمنطق امكانية عدم اجراء الانتخابات هو الطاغي، لا سيما وأن الحكومة تعاني اليوم من مشاكل كثيرة تجعلها عاجزة عن إنجاز أي استحقاق، وخصوصاً الانتخابات النيابية بحيث يصبح التأجيل مقبولاً في الداخل كما الخارج.

وإذا كان المصدر تقلقه العوامل الداخلية المتردية التي قد ترتد سلباً على استحقاق أيار المقبل، فإنه في الوقت ذاته يعول كثيراً على المعطى الخارجي الداعم لاجراء هذه الانتخابات، وهو يلفت النظر إلى عدم خلو خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من الإشارة إلى الواقع اللبناني قبل وبعد إعادة انتخابه، وهذا الأمر يعكس بوضوح مدى الاهتمام الذي توليه فرنسا للبنان، وما يمكن ان تمارسه من دور فاعل في سبيل ايجاد الحلول للأزمات المتعددة في لبنان واخراج هذا البلد من الواقع المأساوي الذي يتحكم به على أكثر من صعيد، وبناء على ذلك فإن المصدر السياسي لا يُسقط من حساباته إمكانية أن تعود باريس وتفتح أبوابها ونوافذها تجاه لبنان، من خلال مساعٍ يقوم بها سيّد الاليزيه عبر موفدين سعياً لرأب التصدع الحاصل ، ووضع لبنان على المسار الصحيح لتأمين مناخات ملائمة تمكِّن حكومته من ولوج الاصلاحات التي لا أمل من دونها للخروج من الأزمة.

ولا يستبعد المصدر حصول تحرك فرنسي سريع تجاه لبنان إما من خلال الاتصالات، أو عبر إيفاد الرئيس ماكرون أحد المسؤولين الفرنسيين الى لبنان في غضون أيام قليلة للتأكيد على أهمية حصول الانتخابات، وبالتالي الحث على نزع أي ذرائع من شأنها أن تحول دون حصول هذا الاستحقاق الدستوري في موعده، مع التشديد على استمرار وقوف باريس مع لبنان في محنته ، شرط أن يقف هو مع نفسه من خلال الايفاء بالتزاماته الإصلاحية التي تعتبرها فرنسا الممر الإلزامي لحصول لبنان على مساعدة المجتمع الدولي، لأنه من دون اصلاحات لن يكون هناك لا مساعدات ولا من يُساعد.

ويستطرد المصدر نفسه بالقول أن ما من شيء تغير في لبنان لكي تؤتي أي مبادرة خارجية أُكُلها، وهذا الأمر يدعو إلى القلق، كون ان المجتمع الدولي لم يعد يضع لبنان أولوية على أجندته، فإذا بقي لبنان غير مكترث كما هو مطلوب منه ، فانه حكماً سينكفئ وتصبح آخر همومه مساعدة لبنان.

من هنا فإن المصدر يرى وجوب أن تقوم الحكومة بعمل استثنائي في الفترة المتبقية من عمرها أي قبل الانتخابات لكي لا ترحل من دون أن تترك أي بصمة ايجابية يمكن البناء عليها لاجتراح الحلول للأزمات.