IMLebanon

ألف مدرّب في “اللبنانية”: بين التسوّل والأوتوستوب

كتبت زينب حمود في الأخبار:

يجيب مندوب المدرّبين في الشمال حسّان زكريا: “إنهم قائد الأوركسترا، من دونهم ينهار هيكل إداري برمّته”. وبالفعل، يقع على كاهل مدرّبي الجامعة، الحائزين على شهادة الماجستير في اختصاصات مختلفة، مهمتان أساسيتان تنقسمان بين إدارية وفنية. يقوم المدرّب الإداري بإصدار نتائج الامتحانات، وإرسال رسائل إلكترونية إلى الطلاب والردّ على أسئلتهم، وأعمال المكننة وغيرها من المهام. أما المدرّب الفني فتوكل إليه مهام مساعدة الأساتذة في المختبرات والتدريب المهني والفني ومرافقة الطلاب في دوراتهم التدريبية في المستشفيات والمحاكم والمدارس والمختبرات.

ومدرّبو الجامعة فئتان: متعاقدون بالساعة بموجب عقود نظامية صادرة وموقعة من مجلس الوزراء في مطلع التسعينيات ويتقاضون رواتبهم شهرياً، وأكثر من ألفَيْ مدرّب أدخلوا في عقود مصالحة تنصّ على صرف رواتبهم سنوياً، من بينهم حوالي ألف مدرّب بعقد كامل ممنوعون من التوظيف أو التثبيت، قرّرت الجامعة تمرير رواتبهم شهرياً. لكن المشكلة في الآلية البيروقراطية المتبعة التي تنصّ على مرور جداول ساعات العمل بين الكلية ورئاسة الجامعة وهيئة التشريع وديوان المحاسبة. و”هكذا يتأخر صرف المستحقات ما لا يقلّ عن سبعة أشهر، فنحن لم نقبض مثلاً عن شهر تشرين الثاني وكل ما تلاه”، يقول المدرّب موسى سويدان. وفي حين يطالب المدرّبون بتقاضي رواتبهم شهرياً، “يعرفون أنهم يحاربون من أجل رواتب بلا قيمة”. فعقد المدرّب ينصّ على تنفيذ 600 ساعة سنوياً بقيمة 40 ألف ليرة للساعة الواحدة، فيصل بذلك الراتب الشهري إلى حوالي المليوني ليرة لبنانية. وكان المدرّبون يعملون ساعات إضافية غير مدفوعة طمعاً بالتثبيت، “هذه الكذبة الكبيرة التي كنّا نعيشها”.

قبل الأزمة، لم يكن المدرّبون يفوّتون فرصة لمطالبة مجلس الوزراء بإقرار العقود وتثبيتهم. فـ”بدعة” عقود مصالحة غير قانونية كانت ولا تزال تؤذيهم نفسياً حتى شعروا بأنهم “مكتومو القيد”، يدخلون الجامعة ويخرجون منها من دون أن يمرّ اسمهم أو توقيعهم على أي وثيقة. يقلقهم عدم الاستقرار الوظيفي، ذلك أن الجامعة تستطيع فسخ العقد مع المدرّب من دون أي مسوّغ، ما يجعل الأخير عرضة للابتزاز، وأي خلاف مع مدير أو عميد قد يخرجهم من الكلية لأنهم لا يحتمون بعقد قانوني. ومع ذلك، “عضّ” المدرّبون على جراحهم باعتبار أن المليوني ليرة كانت قبل الأزمة ذات قيمة جيدة وإن تأخر صرفها. أما اليوم، “فنحن ميتون ونحارب باللحم الحي”، يختصر زكريا حالهم. ويروي كيف تخلى بعض زملائه عن اشتراك الكهرباء، وكيف “بكت مدرّبة مريضة بالسرطان خلال الاعتصام الذي نفذناه قبل أيام لأنها لا تملك كلفة علاجها ولم تحصل على المساعدة المرضية التي طلبتها كونها غير موظفة”. ويتابع: “هناك مدربتان أمّنا لهما جمعية خيرية لتمدّ الأولى بوجبات الإفطار خلال شهر رمضان والثانية بعلب الحليب لابنها”.

رغم ذلك كله، اشترط مجلس الوزراء على المدرّبين للحصول على مساعدة اجتماعية، وهي زيادة نصف راتب، أن ينزلوا إلى عملهم ثلاثة أيام في الأسبوع بالحد الأدنى. يسخر سويدان: “صحيح أننا نحصل على 64 ألفاً بدل نقل يومي، إلا أن الكلفة الفعلية تتعدّى ذلك بكثير وتتجاوز المئتي ألف لأن معظمنا يسكن بعيداً من الكلية التي يعمل فيها، فما سندفعه فرق بدل النقل سيكون فعلاً أكبر من قيمة هذه المساعدة الاجتماعية”. وكما يتأخر صرف رواتب المدربين، يتأخر صرف بدل النقل، “فصار من يملك سيارة يصطحب زملاءه إن كانوا على طريقه، أما دون ذلك فأجبر بعض المدربين والمدربات على الوقوف في الشارع والذهاب أوتوستوب إلى كلياتهم”! اقترح بعض المدرّبين، لا سيما الإداريين منهم، العمل من منزلهم بدلاً من انتظار مجيء الكهرباء لساعات، لكن مطلبهم رفض.

إزاء هذا الوقع، التزم المدرّبون في أوائل آذار الماضي الإضراب المفتوح الذي دعت إليه الهيئة التنفيذية لرابطة العاملين في الجامعة. معركتهم موجهة نحو رئاسة مجلس الوزراء بغية إقرار العقود، وداخلية ضد أهل الجامعة لإعادة النظر بأجر الساعة. لكن الرابطة علّقت الإضراب، ما أشعر بعض المدرّبين أنها “تجاوزتهم وأنها لا تمثلهم”، فاستمروا بتعليق أعمالهم باستثناء يوم الأربعاء.

من جهته، أكد رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة العاملين في الجامعة حبيب حمادة أن “المدرّبين ينضوون تحت عباءة الرابطة التي تمثل كل العاملين”. أما عن اتهام بعض المدرّبين الرابطة بالتخوين والتخلي عنهم، فيردّ: “لا يمكن استشارة كل عامل بقرار فكّ الإضراب”، مشيراً إلى أن “القرار اتخذته الهيئة التنفيذية بعد لقائها رئيس الجامعة وتفضيل عدم تضييع العام الدراسي على الطلاب الذين لا ذنب لهم، بخاصة أنه ما من أمل بطرح ملف المدرّبين بعدما استحوذ ملف العمداء على اهتمام إدارة الجامعة”.

تعيش الرابطة فترة استراحة وترقب لما ستؤول إليه الانتخابات النيابية والسلطة التنفيذية والتشريعية التي ستنتج منها، “فلن نقوم بإضراب ضد مجهول”، كما يقول حمادة، مهدّداً بالتصعيد لانتزاع حقوق العاملين ومطالبهم بعد تشكيل حكومة جديدة. وحتى ذلك الوقت، الجامعة مهدّدة بإفراغها من المدرّبين، وقد غادر بعضهم فعلاً من دون أن يلحظ أحد، تماماً مثل مكتومي القيد، “فعمداء الكليات يمارسون الترغيب والترهيب بحقنا والإعلام لا يغطي غير مطالب الأساتذة ومعاناتهم”.