كتب موريس متى في “النهار”:
منتصف نيسان الجاري شرّعت الحكومة باب الإنفاق من اموال حقوق السحب الخاصة التي وصلت الى لبنان من صندوق النقد الدولي وقيمتها الاجمالية 1.135 مليار دولار بعد رفض مصرف لبنان الاستمرار بتمويل الاستيراد من اموال التوظيفات الالزامية، واشتراطه إما إقرار عقد استقراض يجري توقيعه بين الحكومة ومصرف لبنان، او الحصول على موافقة من الحكومة موقعة من رئيسها ووزير المال يوسف خليل للمسّ بهذه الاموال لتغطية الاعتمادات المطلوبة لتمويل الاستيراد المدعوم.
مع اشتداد أزمة الطحين والدواء والكهرباء في الاسابيع الماضية، سارعت الحكومة الى العمل على إيجاد آلية تسمح لمصرف لبنان بالاستمرار في تمويل استيراد السلع والادوية المدعومة، اضافة الى تغطية بعض النفقات التشغيلية بالعملة الصعبة بعدما وصل احتياط “المركزي” الى مستوى منخفض جدا يقدّر بـ11 مليار دولار، فيما تراكمت الفواتير غير المسددة للتجار والمستوردين لدى مصرف لبنان بالمليارات ومنها ما هو للدواء والمحروقات والمستلزمات الطبية وغيرها. في جلسته الاخيرة، أصر اعضاء المجلس المركزي لدى مصرف لبنان بالاجماع على رفض صرف اي اعتمادات بالدولار الاميركي الا بطلب من الحكومة بعدما سقط في الايام الماضية إحتمال توقيع عقد استقراض بين الحكومة ومصرف لبنان مع أخذ رئاسة الحكومة ووزارة المال برأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل التي أوصت بعدم قدرة الحكومة على عقد أي معاهدة تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات المالية إلا بعد موافقة مجلس النواب إنطلاقا من المادة 52 من الدستور. واستنادا الى رأي الهيئة غير الملزم لمجلس الوزراء، فان استقراض الدولة من مصرف لبنان يحتم عليها رد الاموال، من خلال فتح اعتماد إستثنائي او اعتماد إضافي في الموازنة، او من خلال اللجوء الى الاموال المتاحة في خزينة الدولة لتسديد المستحقات، لتؤكد الهيئة عدم جواز ان توقع الحكومة عقد قرض عموميا ولا تعهدا يترتب عليه إنفاق من مال الخزينة العامة الا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب إستنادا الى المادتين 85 و88 من الدستور. ولم يتبق امام الحكومة الا الطلب خطيا من مصرف لبنان المساس بأموال حقوق السحب الخاصة وصرف 100 مليون دولار من هذه الحقوق، ما يعني حتما ان هذه الاموال قد سلكت طريق الصرف لتنتهي قبل أواخر العام الحالي في أبعد تقدير في حال الاستمرار بالوتيرة ذاتها من استنزافها.
في مرحلة اولى قررت الحكومة الموافقة على إقتراح وزير المال والاقتصاد الطلب من مصرف لبنان دفع قيمة الاعتمادات المتعلقة باستيراد القمح والتي نالت سابقاً موافقة مبدئية، وقيمتها 15.399 مليون دولار عن شهري شباط وآذار و 21.678 مليون دولار عن شهر نيسان 2022، كما اقر مجلس الوزراء الطلب من مصرف لبنان دفع الاعتمادات الخاصة بأدوية الامراض المزمنة والمستعصية بقيمة 13 مليوناً للدواء، اضافة الى تأمين 60 مليون دولار للكهرباء. الاموال التي صرفت بموافقة من الحكومة تغطي الاستهلاك لمدة اسابيع ما يعني حتما الذهاب في الايام المقبلة الى مزيد من الموافقات التي ستصل من الحكومة الى مصرف لبنان لصرف مزيد من الاموال من حقوق السحب الخاصة، كما علمت “النهار” ان العمل حاليا هو لإيجاد حل لتأمين ما يقارب 15 مليون دولار لحلحلة ازمة جوازات السفر وتغطية كلفة العقد مع الشركة الفرنسية المكلفة تأمين الجوازات للمديرية العامة للأمن العام التي توقفت عن قبول طلبات مواعيد جديدة حتى اشعار آخر لحين تأمين الاموال لطباعة المزيد من جوازات السفر. اضف الى ذلك ازمة جديدة تلوح في الافق القريب وتتعلق بقطاع الاتصالات، حيث علمت “النهار” ان إتصالات حصلت بين مصرف لبنان ووزارة الاتصالات لتؤكد الأخيرة عدم قدرة هيئة “اوجيرو” على الاستمرار من دون تأمين دولارات اساسية للصيانة والتشغيل، وليعود “المركزي” ويؤكد ضرورة الحصول على موافقة من الحكومة للصرف من اموال حقوق السحب الخاصة. وفي هذا السياق، علمت “النهار” ان الحكومة لن تسير بكل طلبات الموافقة على تغطية فتح مزيد من الاعتمادات من اموال السحب الخاصة قبل الانتخابات النيابية لتدخل بعدها في رحلة تصريف الاعمال، ما سيحتم الحصول على مرسوم يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيون للطلب من مصرف لبنان تغطية الاعتمادات او العودة الى اقتراح عقد الاستقراض على ان يأتي هذه المرة من مجلس النواب بقانون.
وتتجه الانظار الى جلسة مجلس الوزراء المقبلة حيث أدرج على جدول أعمال الجلسة بند ينص على طلب وزارة الصحة تحويل المبلغ المالي الشهري المخصص لاستيراد الدواء والبالغ 35 مليون دولار، فيما بدأ بعض المصارف بتسلم طلبات المستوردين لتمويل عمليات الإستيراد، بحيث من المتوقع بدء وصول الأدوية خلال الفترة القريبة المقبلة، على أن تعطى الأولوية لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية. وفي هذا السياق يؤكد مستوردو الادوية ان الحل المستدام يبقى في توفير الاعتمادات والتمويل، بغية تأمين استيراد الأدوية المدعومة وتسريع وتيرة دفع مستحقات الشركات والمعامل المصنعة في الخارج، لكي تتمكن من متابعة تسليم الأدوية الى لبنان، وقد فاقت قيمة هذه المستحقّات 400 مليون دولار، أي أن المعامل المصنعة أرسلت أدوية بهذه القيمة تم بيعها في السوق على السعر المدعوم، من دون أن يقوم لبنان بتسديد ثمنها بحسب الآلية المتبعة.