عاد “حزب الله” إلى خطابه الحقيقي الذي كان يتحدث عنه في الثمانينات عند تأسيسه. فجأة عشية الانتخابات النيابية، نزع الحزب قفازاته وتحدّث باسمه أحد مشايخه ليعلن رفضه لنمط حياة اللبنانيين، حياة الانفتاح والبحور والسهر والموسيقى والتي تشبه في طبيعتها كل الحياة الغربية.
أعلن “حزب الله” محرّماته: البحر والسباحة وأثواب السباحة ممنوعة على النساء. أماكن السهر ممنوعة على الشباب. أعادنا الخطاب المقيت لهذا الشيخ إلى ما كان أعلنه قبل أعوام قليلة رئيس كتلة نواب الحزب النائب محمد رعد حين أكد أن هذا اللبنان، لبنان السهر والموسيقى والفن، لا يشبههم وأنهم يريدون بناء لبنان الذي يشبه “حزب الله”!
هنا يتلخّص كل جوهر الصراع بين ثقافة اللبنانيين، ثقافة الحياة والفرح، وبين ثقافة “حزب الله” الإيرانية، ثقافة الموت والسواد والحروب والإنغلاق والرجعية. انتهت المساحات الرمادية بين المشروعين. لم تعد هناك أي حلول وسط وسقطت شعارات التعايش الكاذب.
ما هاجمه أحد مشايخ “حزب الله” ليس نمط عيش “القوات اللبنانية” ومناصريه، ولا نمط عيش المسيحيين إلى أي حزب انتموا وفي طليعتهم “التيار الوطني الحر”، بل هو نمط عيش جميع اللبنانيين بكل طوائفهم. فات هذا الشيخ الرجعي أن من يملأ أماكن السهر وعلب الليل في لبنان هم شباب لبنانيون وفي طليعتهم شباب من أبناء الطائفة الشيعية وبيئة “حزب الله” الذين يرقصون ويغنّون ويسهرون ويفرحون ويشربون الكحول مثلهم مثل جميع اللبنانيين. وحين تحدث هذا الشيخ عن آفة المخدرات التي يحاربها جميع اللبنانيين أيضاً بمختلف طوائفهم ومذاهبهم تناسى أن من يروّج لها ومن يزرعها ويتاجر بها ومن يصنّع الكابتاغون ويتاجر به في لبنان ويصدّره إلى الخارج هم أبناء “البيئة الحاضنة”.
الإشكالية الكبرى تكمن في أن “حزب الله” يريد أن يسير بلبنان عكس حضارته وتاريخه. يريد أن يغيّر له هويته الحضارية والانسانية. تخيّلوا كيف ان الدول الإسلامية العربية والخليجية تنفتح وتسير مع ركب الحضارة العالمية، تخيّلوا كيف أن الإمارات العربية المتحدة باتت واحة للانفتاح والتطور والحياة والفرح، وكيف أن المملكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة وسريعة نحو التلاقي مع الحضارة العالمية فباتت تستقطب الحفلات الموسيقية العالمية وأصبحت مساحة رحبة للحياة الجميلة بكل مشاريعها التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حين أن “حزب الله” يسعى إلى “أيرنة” ثقافة الحياة في لبنان، أي جعلها مرادفة لثقافة الموت والإنغلاق الإيرانية.
هل هذا ما يريده مناصرو “التيار الوطني الحر” أو تيار “المردة” أو تيار المستقبل أو حتى علمانيو الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ هل هذه ثقافة الحياة التي تشبههم؟ لم أسأل عن “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”حركة الاستقلال” و”الوطنيين الأحرار” وجميع السياديين الآخرين لأن جوابهم معروف وهم يخوضون معركة شرسة لا هوادة فيها بوجه مشروع “حزب الله”.
فلتكن الانتخابات النيابية بعد أسبوعين استفتاءً واضحاً حول أي لبنان نريد، حول أي ثقافة حياة نريد. هل نريد لبنان الذي تحكمه قوانين “حزب الله” الإيرانية وثقافته أم لبنان المنفتح على الشرق والغرب ومساحة الحريات والانفتاح والتطور؟ لم تعد المعركة تقتصر على المطالبة برفع الاحتلال الإيراني عن لبنان والمتمثل بسلاح “حزب الله”، بل بات عنوان المعركة يتّصل أيضاً بإعلان رفض كل محاولات “أيرنة” لبنان والإصرار على لبنان الذي يشبه اللبنانيين بكل أبعاده الديمقراطية وبثقافة الحريات والتحرر فيه وبنمط عيش يحاكي الغرب في قلب الشرق!