Site icon IMLebanon

معركة التغيير بوجه “الحزب” بدأت

جاء في “العرب” اللندنية:

بدأ لبنان مرحلة جديدة يأمل المواطنون في أن تقودهم نحو الخروج من المضمار الذي تسير فيه البلاد منذ سنوات، وإحراز تغيير سياسي واقتصادي في ظل الأزمات المتلاحقة وتفشي الفساد السياسي الذي تتهم باتباعه أغلب الأحزاب السياسية الحاكمة، رغم إدراكهم أن حظوظ المرشحين المعارضين والمستقلين لإحداث تغيير سياسي ضئيلة، في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية وأنهكته الأزمات.

وبدأ استحقاق الانتخابات البرلمانية بتصويت الناخبين اللبنانيين في الخارج، الذين قدرت وزارة الداخلية اللبنانية عددهم بنحو 225 ألفا في 58 دولة. وجرى التصويت الجمعة في عشر دول تعتمد الجمعة عطلة نهاية الأسبوع. وهي مصر والسعودية وقطر والكويت وسوريا وعمان والبحرين والأردن والعراق وإيران.

وتجرى انتخابات غالبية المغتربين الأحد في الدول التي تعتمد هذا اليوم عطلة نهاية الأسبوع، وأبرزها الإمارات والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا والبرازيل ودول الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية، قبيل التصويت في الداخل المقرر ليوم الخامس عشر من أيار الجاري.

وتجرى الانتخابات وفق القانون النسبي والصوت التفضيلي، حيث يتوزع الناخبون اللبنانيون وعددهم حوالي 4 ملايين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبا جديدا يتألف منهم مجلس النواب.

وهذه المرة الثانية التي يُتاح فيها للمغتربين المخولين الاقتراع، المشاركة في انتخاب أعضاء البرلمان، والأولى كانت في 2018 وأدلى فيها نحو خمسين ألف مغترب بأصواتهم من إجمالي قرابة تسعين ألفا سجلوا أسماءهم.

وإثر الانتخابات شهد لبنان انتفاضة شعبية عارمة في خريف 2019 وطالبت بتنحي الطبقة السياسية، وحمّلتها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة.

ورغم ارتفاع عدد المغتربين المسجّلين مقارنة مع الانتخابات الماضية، إلا أن الرقم يُعتبر ضئيلا جدا بالمقارنة مع وجود الملايين من اللبنانيين المنتشرين في أنحاء العالم.

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي ومع تدهور نوعية الحياة في البلاد، اختارت عائلات كثيرة وخريجون جامعيون جدد وأطباء وممرضون وغيرهم الهجرة في العامين الماضيين، بحثا عن بدايات جديدة بعدما فقدوا الأمل في التغيير والمحاسبة. ويعلّق المرشحون المستقلون والمعارضون آمالهم على أصوات هؤلاء.

ورغم تأكيد السلطات اللبنانية على الاستعداد لهذا الاستحقاق واحتدام المعارك الانتخابية، يترقب الكثيرون موقف اللاعب الأبرز في هذه العملية وهو الناخب اللبناني الذي يرزح تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، جعلت الكثير من اللبنانيين يعزفون عن كل ما هو سياسي في بلادهم، بينما دفعت آخرين إلى رفع لواء التغيير والمراهنة على المرشحين المستقلين.

وتجرى الانتخابات في ظل معطيات جديدة لا شك أنها ستؤثر على فسيفساء الطبقة الحاكمة، فعزوف رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عن الترشح وتعليق عمله السياسي، سيزيد الإثارة بشأن ملء الفراغ الذي سيتركه هذا المكون السني المؤثر على مدار أعوام، مع مواجهة حادة بين الأحزاب المسيحية التقليدية والمجتمع المدني على وقع تداعيات الأزمة المالية.

ويرى مراقبون أن حزب الله يسعى لتحقيق الاستفادة القصوى من متغيرات المشهد، مع الإبقاء على الغطاء الذي توفره له بقية الأطراف المتشاركة في الحكم، دون استئثار يجد معه نفسه في قفص الاتهام والمساءلة عن أعباء متراكمة أثقلت كاهل اللبنانيين جميعا.

واستغل الحزب خطبة صلاة الجمعة ليروج على لسان نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ علي دعموش، أن الحزب يخوض الانتخابات النيابية على أساس مشروع وطني إنقاذي، داعيا إلى التصويت بقوة وعدم التراخي لعدم إعطاء فرصة لمن أسماهم “أعداء المقاومة”.

وفي هذا الإطار تندرج الحملة الشرسة التي شنها حزب الله وحلفاؤه مؤخرا على المعارضين المسيحيين للتيار الوطني الحر، خاصة حزب القوات اللبنانية، فهي حملة تستهدف وقف تآكل الغطاء المسيحي الذي يوفره التيار للحزب، الساعي إلى تأمين حضور في ساحات الطوائف الأخرى، للحيلولة دون عزله وتطويقه على المستوى الوطني اللبناني.

ولا يمكن قراءة المشهد الانتخابي في لبنان بعيدا عن النفوذ الإيراني المتنامي، لاسيما مع استفادة طهران من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، والحظر المفروض على صادرات النفط الروسية، ما جعل النفط والغاز الإيرانيين مقصدا للأوروبيين والأميركيين على حد سواء، وورقة رابحة في يد طهران.

ويرى مراقبون أن في ظل تضاؤل فرص التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين الولايات المتحدة وإيران حول نشاط طهران النووي، فإن إيران لن تتخلى عن أدوات حماية مشروعاتها التي يشكل حزب الله عنصرا مهما من بينها.

ولا بأس من إعادة إنتاج كتلة نيابية من الطائفة السنية توالي الحزب، بما يكفل توسيع الغطاء الوطني الذي يحرص حزب الله من خلاله على تكريس الاعتقاد بوجود أنصار ذوي وزن بين الطوائف الأخرى توالي سياساته.

قوائم المرشحين للانتخابات تشكل خطرا مباشرا على مجمل المشروع المعد للبنان في السنوات المقبلة والذي يقوم على اختيار رئيس يبقي البلد في مداره السياسي

لكنّ مراقبين يرون أن عمق الأزمة الاقتصادية وتردي الأوضاع المعيشية للبنانيين مع غياب أي بوادر على قرب معالجتها أو رؤية للخروج منها، ربما تكون الصخرة التي سيتحطم عليها هذا المسعى.

ومن ثم ستكون نسبة الإقبال والمشاركة في هذه الانتخابات عاملا حاسما يؤشر لبوصلة المرحلة المقبلة، وهو ما دفع وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي إلى دعوة الناخبين للمشاركة من خلال تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلا “صوتوا كرمال (من أجل) لبنان”.

وربما يمني بعض الناخبين اللبنانيين النفس بتمخض الانتخابات عن جديد يغير الواقع الأليم الذي يحيونه، في ظل أزمة صنفها البنك الدولي “من ضمن أسوأ ثلاث أزمات في العالم”، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، ومع تفاقم أزمة مدخرات المودعين في المصارف اللبنانية.

وهذا بخلاف أزمات أخرى، منها غياب الشفافية، بحسب أسر وذوي الضحايا، عن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت وتقديم المسؤولين عنه للعدالة، رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على وقوعه.

ومن هنا يرى مراقبون أن قوائم المرشحين إلى الانتخابات، والحاملين لبرامج ورؤى إصلاحية، تشكل خطرا مباشرا على مجمل المشروع المعد للبنان في السنوات المقبلة، والذي يقوم على اختيار رئيس يبقي البلد في مداره السياسي الحالي، ويتيح في الوقت ذاته فرصة التقارب مع العالم العربي والاستفادة منها دون الخروج مما يعرف بمحور المقاومة. وتتطلب هذه السياسة وجود برلمان موال، قد تعرقل ظهوره كتلة من النواب المصرين على طروحات إصلاحية جذرية.