Site icon IMLebanon

الإنتخابات والمحاسبة أولاً

كتب سامي نادر في “نداء الوطن”:

دخلت البلاد الأسبوع الإنتخابي الأخير. والحرارة الإنتخابية مرشحة للإرتفاع مع اقتراب نهأر الأحد. وإن كان تصويت اللبنانيين في الإنتشار دليل عافية على تعلق اللبنانيين بالديمقراطية وإرادتهم بالتغيير، تبقى الآراء متضاربة حول أهمية هذا الإستحقاق، وقدرته على التغيير خاصة على المستوى الإقتصادي. وهنا يُطرح السؤال الآتي: كيف يمكن لهذه الإنتخايات أن تشكل رافعة لانتشال لبنان من الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة التي يعيشها.

في كل بلدان العالم المتقدمة، يشكل الإقتصاد الهمّ الأول لدى المقترعين. فالحقوق الإقتصادية الإجتماعية تأتي على رأس الأولويات وتطغى على سائر الإعتبارات الأخرى بما فيها تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية أو بالأمن أو بالهويات الثقافية التي قفزت إلى الواجهة في الفترة الأخيرة. فالمواطن أياً كانت أصوله العرقية أو انتماؤه الديني، حريص أولاً على قدرته الشرائية، واستقرار مداخيله، وتأمين حاجاته الأساسية من دواء وغذاء وتربية. إختصر الرئيس الأميركي السابق كلينتون هذه القاعدة لفهم المزاج الإنتخابي عندما قال : “إنه الإقتصاد يا أحمق ! It’s the economy stupid”. والمقصود هنا أن الاقتصاد يشكل العامل الرئيس لحسم المعركة الإنتخابية وليس السياسة الخارجية. هذا ما مكّنه في العام 1992 من الفوز على منافسه جورج بوش الأب الذي ظن الكثيرون أنه سوف يعود رئيساً بسهولة نظراً لنجاحه في حرب تحرير الكويت وقيادة مرحلة إنهيار العالم السوفياتي وأفول الحرب الباردة.

فهل تسري هذه القاعدة على الواقع اللبناني المرير، وتطغى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية على باقي الإعتبارات وعلى رأسها الولاءات الحزبية والطائفية؟ أم يعيد اللبنانيون إنتخاب من نهب المال العام، وأرهق الخزينة، وتصرف بمدخراتهم، ودفع بهم إلى دروب الهجرة، فيسقطون مقولة كلينتون، ليستبدلوها بعكسها : إنها الطائفة يا أحمق! أو على العكس من ذلك، يلتقطون هذه اللحظة الإنتخابية لمعاقبة سلطة استباحت حقوقهم، ويعاقبونها عبر إسقاطها في صناديق الإقتراع؟

صحيح أن الشأن الإقتصادي لم يأخذ الحيز الأكبر من النقاش الإنتخابي، وهذه من إحدى عورات قانون الإنتخاب الذي حوّل المنافسة الإنتخابية إلى منافسة بين الأفراد داخل اللائحة الواحدة، عوض أن تكون ما بين اللوائح، أي ما بين الأحزاب والتحالفات وما تحمل من برامج إنتخابية ومقترحات إقتصادية وإصلاحية. ولكن صحيح أيضاً أن بإمكان هذه الإنتخابات أن تعيد إرساء المبدأ الأساس للديمقراطية والحوكمة الجيدة ألا وهي: المحاسبة.

نظام المحاصصة أطاح مبدأ المحاسبة بعدما همّش دور مؤسسات الدولة الرقابية وعلى رأسها مجلس النواب، وحصر كل الأدوار بحكومات “وحدة وطنية” تأخذ القرارات وفق منطق “مرّقلي تمرّقلك”، من دون حسيب او رقيب. تُرتكب أكبر الجرائم، من جريمة إنفجار المرفأ إلى جريمة تبخر الودائع، وما من أحد يُقاضى أو يُحاسب. وإن تجرأ أحد، من نائب أو قاضٍ، على رفع الصوت أو القيام بدوره يهمَّش ويعرقَل. فالسلطة المشرفة على نظام المحاصصة أطاحت مبدأ المحاسبة والشرط المؤسس له: التوازن بين السلطات

وإذا كان من دور لهذه الإنتخابات، فهو أنها تعيد شيئاً من هذا التوازن المطلوب، وتعيد الإعتبار إلى القاعدة الذهبية للديمقراطيات: المحاسبة…هذا طبعاً إذا أحسن الناخبون الإقتراع.