كتب عادل مشموشي في “اللواء”:
يذكرني تعاطي اللبنانيين باستحقاق الانتِخاباتِ النِّيابيَّةِ بتلهَّى أبناء القرى بلعبةِ الثَّلج، إذ تُعتبرُ الانتخاباتُ النيابيَّةُ في ظِلِّ قانونِ الإنتِخاباتِ النَّافذِ حاليَّاً مَلهاةً تُشبهً التَّلهي بلعبة الثلج، إذ بنهايَةِ الأمر سيعودُ الوضع بعد السادس عشر من أيار إلى ما كان عليهِ بين اللاعبين قبل الخامس عشر منه، إنما باقي المُواطنين سيبدؤون استشعار المخاطر، كما يستشعرها المُزارِعون الذين يتفقَّدون ما لحِق بمواسِمِهم وحُقولِهِِم من أضرارِ الثلج.
إن استِحضارَنا للثَّلجِ يُذكِّرُنا بالمثلِ القائلِ ذاب الثلجُ وبانَ المَرجُ، ولكن رُبَّ سائلٍ يسألُ ما هي أوجُهُ الشُّبه ما بين اللهو بالثلج واستحقاقِ الانتِخاباتِ النِّيابيَّة؟
وعلى هذا السؤالِ نُجيب إن الانتِخاباتِ النِّيابيَّةِ في ظلِّ القانونِ النَّافِذِ واللَّعبِ بالثلج يتشابهانِ من حيث أن كليهما مَلهاة، لتَمضِيَةِ الوَقتِ بصفر انتاجيَّة، واستِهلاكِ المُونَةِ والمُدَّخراتِ تلبيَّةً لقضاءِ حاجاتٍ مَعيشِيَّةِ يومِيَّة (ملء البُطون)، والتشابُهُ الأكبرُ بينهما يتمثَّلُ في تراشُقِ اللَّاعبين في ما بينهُم، والتَّعرُّضِ للأهالي من دون أن يكونوا مُشاركين في هذه اللعبَةِ او على عِلمٍ بما يحصلُ بين اللَّاعبين، أما الفارقُ بين اللعبتينِ فيكمُنُ في اختِلافِ الأدوات التي يتراشقُ بها اللَّاعِبون، إذ بدلا من التَّراشُقِ بكراتِ الثلحِ النَّظيفَةِ وغير المُلوثةِ أو المؤذيَة، يتقاذفُ اللَّاعبون في الانتِخاباتِ النيابيَّةِ بأدواتٍ ملوِّثةٍ ومؤذيَة، عنيتُ بذلك التَّهجُّماتً اللَّاذِعةُ سواء جاءت لفظاُ أو كتابةً او تسجيلاتٍ صوتيةً أو مَقاطِعَ فيديو تنطوي على اتِّهاماتٍ خارِجَةٍ عن أدبيَّاتِ التعامُلِ البَشري المَعهودةِ، إلى حدِّ التَّطاولِ بالشَّخصي والتَّجريحِ المؤذي كونهم لا يتوانون فيه حتى عن نبش قبورِ موتاهم لفظيا.”
في لعبةِ التَّقاذف بكراتِ الثلجِ يستعدُّ اللَّاعبونَ مُسبقاً فيُحضرون بكُلِّ ما استطاعوا أكبرَ عددٍ من كُراتِ الثلجِ ليرموا بها خُصومَهم، او المارَّة الذين لا شأن لهم سوى انهم وُجِدوا او اضْطرتهُم ظروفهم للتَّواجٌدِ في مَسرَحِ الأحداث، بينما يَستعِدُّ اللَّاعبون في الانتِخاباتِ أي المُرشحينَ لتحضيرِ أدواتِ التَّقاذًفِ الاعلامي وهي مُتنوعَةٌ ما بينَ شِعاراتٍ وبياناتٍ وخطاباتٍ ومقالاتٍ وتسجيلاتٍ صوتيَّةٍ ومقاطِعَ فيديو، والتي تتمحورً حولَ مُرتكزاتِ برامِجهم الانتخابيَّةِ، ومواقفِهم التي غالبا ما تنطوي على تعرُّضٍ وتطاولٍ بالشَّخصي على الخُصوم.
تطرُّقنا لموضوعِ الانتِخاباتِ ليس الهدفُ منه المقارنةِ بلعبة الثَّلجِ، إنما للتأكيدِ على أننا في لبنان حَرَفنا هذا الاستِحقاقَ السِّياسي المِفصلي عن مغزاهُ الحقيقي، وشَوَّهنا أغراضَهُ المُتمثِّلةِ في تجديدِ الحياةِ السِّياسيَّةِ بتوفيرِ فرصَةٍ حَقيقيَّةٍ للشَّعبِ للتَّعبيرِ عن رأيهِ ومواقِفهِ حيالَ الأمورِ السِّياسِيَّةِ المَصيريَّة، والاقتراعِ لمُرشَّحينَ يرى في انتِخابهِم فرصةً لتحقيقِ تَطلُّعاتِهِ السِّياسيَّةِ التي يُجسدُها البرنامَجُ الانتخابي للَّائحَةِ التي يختارُها كما المُرشَّحُ الذي يمنحهُ صوتَهُ التَّفضيلي.
حرفُ هذا الاستحقاقِ عن مسارِه وتشويهِ مقاصِدِهِ بدأت بوادرُهُ مع إصرارِ الطَّبقةِ الحاكمَةِ على اعتمادِ قانونِ انتخاباتٍ مَسخٍ ومزوِّرٍ للإرادَةِ الشَّعبيَّةِ،ويقوضٌ الفرَصَ الحَقيقيَّة للتَّغييرِ والتَّجديدِ. وتلى ذلك رسائلُ الوعيدِ والتَّهديدِ والتَّعرُّضُ الجَسدي للعديدِ من المُرشَّحين، ومنع بعضِهِم من القِيامِ بنَشاطاتٍ انتِخابيَّةٍ والضَّغطُ على بعضِ المُرشَّحينَ لإعلانِ عزوفِهم عن المُتابعَةِ بالعمليَّةِ الانتخابيَّةِ بعد انخراطَهم في لوائحَ لتَفويتِ الفُرَصِ عليهم في الحصولِ على حَواصلَ انتخابيَّة، واجراء ما يُشبِهُ الحَظرَ الاعلاميَّ عليهم، على مَسمَعٍ ومرأى من الهيئةِ الوطنيَّةِ المُكلَّفةِ بالاشرافِ على نزاهَةِ الانتِخابات. والتي أضحَت أقربُ إلى شاهدِ زور على كُلِّ ما حَصلَ ويحصلُ من تجاوزات، وتَعاميها عن الرَّشاوى بصورتيها المُقنَّعَةِ او المَفضوحَة،وكأن دورَها يقتصرُ على إحصاءِ التَّعدِّياتِ الجَسديَّةِ على المُرشَّحين الجدد والتعامُلِ معها وكأنها حوادثَ عَرضِيَّة.
وكما يقولُ المثلُ ستذهَبُ السَّكرةُ وتجيءُ الفَكرَةُ، وسيستفيق اللبنانيون من غفلتِهِم ليكتَشِفوا أن عَمليَّةَ تَقطيعِ الوَقتِ كانت على حِسابهِم، وأن كلَّ ما كان يَحصَلُ ما هو إلَّا إلهاءٌ ومُراوغةٌ آلهائيَّةٌ لعامَّةِ الشعبِ ولكن بفواتيرَ مُرتفعةٌ جدا.
سيتكشَّفُ البنانيونَ قريبا أنهم خُدِعوا للمرَّةِ الألف، وانه زُجَّ بهم إلى مُستنقعٍٍ مليءٍ بوحولِ أزماتٍ مُستَعصِيَةٍ، لم يعُد الخٌروجُ منها في المدى المَنظورِ مُتيسِّرا»، وإن اوكل أمرُ تَسييرِ شؤونِ الدَّولةِ لقديسينَ او مَعصومينَ من الخَطأ والخطايا، فكيفَ الحالُ إذا كان من سيَتولى ذلك هي الجِهاتُ التي نهبت خيراتِ البلدِ وبددت ثرواتِه واوصلته إلى المأزقِ الذي يتخبَّطُ فيه.!!!!