كتب منير الربيع في “المدن”:
لم يعد التحشيد الديبلوماسي لمشاركة اللبنانيين الكثيفة في الانتخابات أمرًا خافيًا: من لقاءات سفراء الخليج مع مفتي الجمهورية ومفتي المناطق، إلى مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي ينتقد حزب الله وحلفائه بوضوح.
الحركة هذه تأثيرها فعليٌ على وقائع اليوم الانتخابي المقبل، في رفعها نسب تصويت معارضي حزب الله. وكان ذلك واضحًا في ما سُجّل بدائرة بيروت الثانية: الحديث عن بلوغ أعداد المقترعين من الموظفين نسبة عالية، مقارنة بالسنوات السابقة. وهذا مؤشر لما ستكون عليه وقائع يوم الأحد الانتخابي.
عون وحزب الله ودار الفتوى
المهم أن تسلك العملية الانتخابية مسارها إلى النهاية. والأهم ألا تشهد مناطق وأقلام إشكالات وخلافات تؤدي إما إلى تعويق العملية الانتخابية، وإما إلى تخويف الناس وتخفيض نسبة الاقتراع. وهذه كلها احتمالات قائمة.
ولبنان ما بعد الانتخابات مقبل على استحقاقات كبرى، بعضها سياسي ودستوري، وبعضها الآخر اقتصادي ومالي واجتماعي. وينتظر اللبنانيون توازنات المجلس النيابي الجديد، بناء على النتائج المنتظرة. وفي الكواليس السياسية بدأ البحث في مرحلة ما بعد الانتخابات، فيما يمهد رئيس الجمهورية وتياره العوني لاحتمال عدم اعترافهما بنتائجها، أو تقديم طعون وشكاوى لإبطال نتائج مقاعد عدة.
أما حزب الله فبدأ يعلن عن تصوراته السياسية للمرحلة المقبلة. فأمين عام الحزب حسن نصرالله أكد أن حزبه سوف يوسع انخراطه في السلطة والدولة، متجاوزًا مسألة الأكثرية والأقلية. وهو يريد بذلك تكريس العودة إلى الحكومات المشتركة أو التوافقية أو الوحدة الوطنية، التي تشارك فيها القوى كلها مجتمعة. وهذا موقف قد يمثل خطوة تراجعية تتعلق بالحسابات والتقديرات الانتخابية، التي تشير إلى احتمال عدم تحقيق أي فريق الأكثرية المطلقة.
يحاول حزب الله اتباع استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد الانتخابات: التمسك بالسلاح وبالمشاركة في الحكومة وبشروطه على الدولة اللبنانية في أي مفاوضات مع المجتمع الدولي أو صندوق النقد. فالمواقف الدولية تشير بوضوح علني إلى ضرورة تشكيل الحكومة سريعًا، لمواكبة الملفات التي يحتاج لبنان إلى بتّها مع الصندوق. لذا يتحضر حزب الله لخوض هذه الاستحقاقات.
في مقابل استعدادات حزب الله لخوض الانتخابات بشراسة، برز موقف لمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، دعا فيه إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات والتصويت. وذلك في التعميم الصادر عن مديرية الأوقاف، الذي دعا أئمة المساجد إلى تحفيز الناس على التصويت في خطب صلاة الجمعة قبل يومين من الانتخابات.
معضلة تشكيل الحكومة
هنا لا بد من طرح تساؤلات حول مرحلة ما بعد الانتخابات: ما هي تداعيات عدم تشكيل حكومة سريعًا؟ فيما ملفات معيشية طارئة وضاغطة، تتصدر المشهد اللبناني: رفع تعرفة الاتصالات. القدرة على الاستمرار في استيراد القمح. دولرة أسعار المحروقات وأدوية الأمراض المستعصية. هذا إضافة إلى تنفيذ الإجراءات التي يطلبها صندوق النقد الدولي.
هناك مشاكل عدة تعترض تشكيل الحكومة. فموقف رئيس الجمهورية وفريقه سيكون إلى حدّ بعيد اعتراضيًا على تشكيل حكومة تقنيين. وقد يتم فرض تشكيل حكومة سياسية تؤول إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، في حال حصول فراغ رئاسي. وفي حال الإصرار على تشكيل حكومة مطعمة بشخصيات سياسية، يتعوق تشكيل الحكومة سريعًا لمواكبة الاستحقاقات الداهمة.
عدم تشكيل الحكومة سريعًا لمواكبة الاستحقاقات، والتحديات المعيشية ومعالجة التفلت المتوقع في سعر الصرف، يعني أن لبنان يدخل في المجهول بعد الانتخابات. خصوصًا أن باريس تتحدث عن مؤتمر دولي لمساعدة لبنان، في حال تنفيذ شروط صندوق النقد.
لبنان مقبل إذًا على مفترق طرق أساسي: إما توقيع الاتفاق مع صندوق النقد وبدء المعالجات المؤلمة التي تشمل إعادة هيكلة المؤسسات والقطاع العام. وإما الدخول في نفق مظلم جدًا يعتمد في الدرجة الأولى على المساعدات الانسانية والمؤن المعيشية من الخارج. وسرعة تشكيل الحكومة تحدد الوجهة التي يسلكها لبنان بين هذين الخيارين.