Site icon IMLebanon

ماذا يدور في كواليس المعارضة؟

كتب شارل جبور في “الجمهورية”:

تسود داخل أروقة المعارضة السيادية على اختلافها ثلاث وجهات نظر لمرحلة ما بعد 15 أيار وكيفية التعامل معها دستورياً.

بدأت معظم القوى السياسية تفكِّر وتبحث في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، ولكن من الواضح انّ الجميع ينتظر التوازنات التي ستفرزها هذه الانتخابات ليبني على الشيء مقتضاه، لأنه في حال خسر فريق 8 آذار الأكثرية يتبدّل كل المشهد السياسي كونه يصبح في موقع رد الفعل لا الفعل، وفي موقع المعطِّل لا المقرِّر، وتصبح المبادرة بيد القوى السيادية بتكليف رئيس حكومة يؤلِّف حكومة أكثرية لن يوقِّع الرئيس ميشال عون على تأليفها، فتنتهي الأمور برئيس مكلّف ورئيس حكومة تصريف أعمال قبل ان يدخل مجلس النواب بدءاً من 31 آب في اجتماعات مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية.

ومن الثابت لغاية اليوم أنّ أحداً ليس في وارد القطع مع وعوده وسقوفه الانتخابية، وعلى رغم انّ الشغل الشاغل هو الانتخابات فإنّ التفكير في مرحلة ما بعدها انطلق وبقوة داخل الأروقة السيادية التي تتداول في ثلاثة سيناريوهات أساسية:

السيناريو الأول، التعامل مع الانتخابات النيابية وكأنها محطة بين مرحلتين ووظيفتها تحسين شروط المواجهة مع الفريق الآخر، بمعنى رفض كل منطق حكومات الوفاق الوطني، كما رفض اي مشاركة في اي حكومة مع «حزب الله»، والإصرار على حكومة تحكم ومعارضة تعارض، وفي حال أصرّ الفريق الحاكم اليوم على الاستمرار في الحكم فليتحمّل مسؤولية استمرار البلد في الأزمة القائمة، ولكن الأكيد انه لا يجب تأمين الغطاء الحكومي والسياسي للفريق الذي شكّل ويشكل دوره الحاجز أمام قيام الدولة الفعلية.

فالعبرة التي على القوى والشخصيات السيادية استخلاصها انّ مرحلة التسويات الجزئية جرِّبت ونتيجتها كانت كارثية، وانه حان الوقت للقطع مع المرحلة السابقة بأداء مختلف يبدأ من رفض حكومة الوحدة، ولا ينتهي برفض تأمين النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية ما لم يلتزم الأخير بثوابت وطنية واضحة المعالم، فلا عودة إلى مرحلة ما قبل 17 تشرين 2019.

السيناريو الثاني، التمييز بين حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، وحكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية، بمعنى رفض المشاركة في اي حكومة ما بعد 15 أيار لثلاثة أسباب أساسية: لأنه لا يجوز إعطاء شرعية ومشروعية لعهد يتحمّل مسؤولية أساسية في وصول البلد إلى ما وصل إليه، وبالتالي يجب انتظار رحيله قبل اتخاذ الموقف المناسب من المشاركة في الحكومات أم عدمها. والسبب الثاني لأن مراسيم تأليفها بيده ولن يوقِّع على حكومة لا تنسجم مع متطلبات وضعيته السياسية، الأمر الذي لا يتناسب مع مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. والسبب الثالث لأنه سيفرِّغ الانتخابات من مضمونها ويضرب ديناميتها. ولذلك، يجب حسم الموقف على هذا المستوى بشكل قاطع بعد الانتخابات بأن لا مشاركة في اي حكومة في المرحلة المتبقية من العهد كونها تشكل استمراراً لمرحلة ما قبل الانتخابات النيابية.

السيناريو الثالث، ان تتكتّل القوى المتشابهة سيادياً وتتوحّد ضمن إطار واحد وتقرِّر المشاركة في كل أشكالها، ولكن وفق شروط حجمها السياسي وما يقوله الدستور، فطالما ان لا قرار بالخروج من النظام السياسي، وطالما انّ القوى المنتخبة تلتقي تحت سقف البرلمان، فلا مانع إطلاقاً من التقائها تحت سقف الحكومة وتقديم تجربة حكومية مختلفة عنوانها التشدُّد في كل التفاصيل، والإصرار على الجانب السيادي والحدودي والإصلاحي.

فمن الخطأ تقديم ورقة عدم المشاركة على طبق من ذهب إلى «حزب الله» وحلفائه، إنما يجب ان تكون المشاركة مشروطة بثلاثية أساسية: رفض تخصيص حقيبة وزارية لمذهب أو طائفة، إنتزاع وزارة الطاقة من يد «التيار الوطني الحر»، أن لا تكون اي حقيبة مُحظّرة على فريق معيّن. وبالتالي، الهدف من المشاركة بهذا المعنى إسقاط اتفاق الدوحة والعودة إلى اتفاق الطائف وإسقاط كل الممارسات التي تتنافى مع الدستور من قبيل تخصيص وزارات لطوائف.

ويميِّز أصحاب السيناريو الأخير بين منطق الثورة ومنطق الدولة، ويسألون ما نفع المشاركة في الانتخابات في حال لن تترجم داخل المؤسسات الدستورية، أي من خلال تعزيز الخط السيادي وتحسين شروط مواجهته، ويعتبرون انّ المشكلة ليست في مبدأ ربط النزاع، إنما في سوء تطبيقه، فلو طبِّق من قبل كل القوى السيادية بالشكل المطلوب لَما تمكّن «حزب الله» من التوسُّع والتمدُّد، حيث ان المشكلة كانت بالتراخي والاستلشاء والميوعة.

ويعتبر أصحاب هذا السيناريو انّ فكرة المقاطعة والخروج من المؤسسات ليست في محلها ولو كان الهدف منها محاولة جَرّ الفريق الآخر إلى تسوية يمكن ألا تأتي، إنما المطلوب تقديم تجربة حكومية دستورية، وفي حال رفضها الفريق الآخر يتحمّل مسؤوليته أمام الداخل اللبناني والخارج، بمعنى انّ رفض المشاركة بالمطلق خطأ، بينما رفضها لأن الفريق الآخر يصرّ على تخصيص وزارات لطوائف يصبح مبرراً، وهكذا دواليك..

ويقدِّم أصحاب هذا السيناريو أكثر من مثل على المشاركة المطلوبة: تجربة حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة، وأداء كل من: قائد الجيش العماد جوزف عون، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، رئيس إدارة المناقصات جان العلية، المحقِّق العدلي في انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، وهذه الأسماء وغيرها طبعاً التي لا ترضخ لتهديد او ترغيبب ولا تلتزم سوى بقسمها والدستور والقوانين المرعية. وبالتالي، هذه التجارب يجب حمايتها واحتضانها وتعميمها وتوسيعها، لأنّ بناء المؤسسات يكون من خلال نخب من المعدن المؤسساتي الصلب الذين اشتهر بهم عهد الرئيس فؤاد شهاب.

ويسأل أصحاب هذا السيناريو: لماذا الخيار يجب ان يكون دائماً بين الأبيض والأسود؟ ولماذا تجربة النخب العسكرية والقضائية والأمنية لا تنسحب حكومياً ليس من خلال فريق واحد، إنما من قبل كل وزراء الجسم السيادي لتكون كتلة وزارية متجانسة، خصوصاً ان محاولة تدجين الوزراء أصعب بكثير من تدجين النخب الإدارية، وبالتالي يجب توسيع هذه التجارب على وقع انتخابات نيابية ودعوات شعبية ووضعية خارجية مظللة للبنان؟

وهذا الكلام لا يعني المشاركة للمشاركة، إنما المشاركة بشروط دستورية ودولتية، والقطع مع المرحلة السابقة برفض اي مساومة او تنازل تحت اي عنوان ومهما كان الثمن، اي رَمي الكرة في ملعب الفريق الآخر بأنّ للمشاركة شروطها الدستورية التي لا يمكن من الآن فصاعدا الخروج عنها، وفي حال رفض ذلك يتحمّل مسؤوليته.

وهذه المواجهة الوحيدة التي يمكن تسجيل الأهداف فيها الواحد تلو الآخر باعتبار ان الفوز بالضربة القاضية ما زال بعيد المنال، ولا معطيات خارجية عن تطبيق القرار 1559 قريباً، كما انه في ظل حاجة الفريق الآخر لمشاركة الفريق السيادي كونه يدرك عدم قدرته على إخراج البلد من أزمته المالية، فيجب تقديم البدائل الموضوعية ووضع السقف الدستوري الذي لا تنازل تحته.

ولا يجب ان تقتصر المسألة على الحكومة ورفع الصوت عند كل مفترق وقرار وتعيين، إنما الضغط من أجل الدعوة إلى الحوار ببند وحيد عنوانه الاستراتيجية الدفاعية، ووضع الفريق الآخر باستمرار في موقع المتهّم وردّ الفعل.

وهذا غيض من فيض بعض النقاشات التي تدور في كواليس القوى والشخصيات السيادية التي تنتظر جميعها نتائج الانتخابات لتنطلق بعدها في بحث جدي ومعمّق حيال كيفية مقاربة المرحلة المقبلة في كل ملفاتها وتحدياتها واستحقاقاتها.