كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
تتحكم مجموعة من العوامل في استقراء مسار العملية الانتخابية التي تجري اليوم في لبنان، بمواكبة أمنية، لقطع الطريق على من يحاول الإخلال بالأمن والضغط على الناخبين، وتحديداً في الدوائر الانتخابية التي تشتد فيها المنافسة، ومن غير الجائز الاستهانة بها، وتتعلق برصد المفاعيل المترتّبة على دعوة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع باعتبارها النداء الأخير لرفع منسوب التصويت في الشارع السنّي، التي كانت وراء استنفار الخطباء وأئمة المساجد الذين ركّزوا في خطبهم على عدم إخلاء الساحة لقوى لا تعكس التمثيل الصحيح للطائفة السنّية في البرلمان.
ويترقّب الوسط الدبلوماسي في لبنان مدى استجابة الشارع السنّي لنداء المفتي دريان، خصوصاً في الدوائر الانتخابية، حيث الثقل للناخبين السنّة، ويبدي ارتياحه لتوقعات الماكينات الانتخابية بأن الاستجابة لدعوة دريان وأئمة المساجد أدّت للانتقال من حالة التردُّد إلى المشاركة في العملية الانتخابية، وبنسبة يُفترض أن تحدّدها أصوات الناخبين.
فالوسط الدبلوماسي العربي والأجنبي لا يملك التفاصيل الخاصة بارتفاع منسوب الاقتراع، وهو يعتمد على أقوال القيمين على الماكينات الانتخابية الذين أبلغوه بأن إصرار المفتي دريان على دعوة الناخبين السنّة للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع كانت وراء تبدُّل الأجواء باتجاه استنهاض الشارع السنّي، وصولاً لإحداث تحوّل في نسبة الاقتراع.
لكن هذا الوسط يعترف في المقابل بأن قانون الانتخاب الهجين أدى إلى خلط الأوراق، وأحدث حالة من الإرباك كانت وراء الغموض الذي يكتنف النتائج التي ستفرزها الانتخابات، من دون أن يستبعد حصول مفاجآت، وتحديداً في الدوائر حيث الغلبة للصوت السنّي، أو في الأخرى التي يتنازع فيها «الإخوة الأعداء» في اللائحة الواحدة لكسب الصوت التفضيلي من جهة، أو استجابة لنفوذ بعض الدوائر الرسمية التي تتدخّل لنصرة الأخ على أخيه، على غرار ما يمكن أن يحصل في دائرتي المتن الشمالي وصيدا – جزين.
كما أن تردُّد الشارع السنّي في الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لم يعد قائماً كما كان قبل الدعوة التي أطلقها المفتي دريان ومعه رؤساء الحكومات السابقون، فيما نأى رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، بنفسه عن التدخّل في العملية الانتخابية، بعد أن اتخذ قراره بالعزوف عن خوض الانتخابات من دون أن يدعو إلى مقاطعتها.
إلا أن عدم تدخّل الحريري لم يمنع بعض المجموعات، خصوصاً في بيروت، من تكرار دعوتها لمقاطعة الانتخابات، ولجوء بعضها إلى نزع صور المرشحين وتمزيق اللافتات الانتخابية الخاصة بلوائح المرشحين، وإن كانت أخذت تتراجع بشكل ملحوظ بالتلازم مع دخول دار الفتوى على خط الدعوة لعدم المقاطعة ليتبين لاحقاً أن هذه المجموعات تتحرك من تلقاء نفسها، وليس هناك من يوفّر الغطاء السياسي لها.
لذلك، فإن الوسط الدبلوماسي العربي والأجنبي، وإن كان يرصد تدخّل بعض الجهات الرسمية النافذة لمصلحة مرشح ضد آخر، أو للتوفيق بين مرشحين على لائحة واحدة، على غرار ما حصل بمبادرة الرئيس ميشال عون للتدخل لتسوية النزاع بين الحليفين اللدودين، زياد أسود وأمل أبو زيد، المرشحين على لائحة واحدة في دائرة صيدا – جزين، فهو في المقابل يراقب عن كثب المفاعيل السياسية المترتبة على أعنف المبارزات الانتخابية التي يشهدها الشارع المسيحي، بانضمام «قوى التغيير» إلى المنافسة الدائرة بين حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، وتياري «المردة» و«الوطني الحر»، التي لن تخلو من مفاجآت في ضوء اقتراع أكثر من 17 ألف ناخب في بلاد الاغتراب في دائرة الشمال الثالثة، التي تضم أقضية البترون والكورة وبشري وزغرتا.
فالوسط الدبلوماسي يتوقّف أمام نسبة الاقتراع هذه، التي تنسحب أيضاً على اقتراع أكثر من 16 ألف ناخب في دائرة بيروت الثانية، ويرى أن توزّعهم على اللوائح سيُحدث تغييراً في النتائج من دون أن يعني ذلك عدم الالتفات إلى تأثيرهم في رفع الحواصل الانتخابية بشكل يمكن أن يُحدث مفاجأة تُضاف إلى المفاجآت المتوقّعة نتيجة التعبئة التي تقوم بها القوى السياسية قبل أن تلتزم بالصمت الانتخابي استعداداً للماراثون الانتخابي الطويل، الذي ينتهي مساء اليوم.
كما أن الوسط الدبلوماسي، وإن كان لا يستقي التوقّعات لما يمكن أن تفرزه نتائج الانتخابات، ولا يبني عليها تقديراته، لأنها مستمدة، كما يقول مصدر دبلوماسي عربي لـ«الشرق الأوسط»، من الإحصاءات الأولية للمؤسسات ذات الاختصاص في استطلاع آراء عيّنات من الناخبين، فإنه في المقابل يدقّق في قدرة الثنائي الشيعي وعلى رأسه «حزب الله»، في تجيير ما لديه من فائض في الأصوات لمصلحة «التيار الوطني الحر» في الدوائر التي ليس للأخير فيها سوى حضور رمزي لقطع الطريق على حزب «القوات»، كما هو حاصل في دوائر بعلبك – الهرمل وزحلة وبيروت، بتحديد البلدات والمجموعات التي ستقترع لمرشّحيه على لوائح تحالف «حزب الله» وحركة «أمل».
فـ «التيار الوطني» يستنجد بقوة حليفه، «حزب الله»، للحصول على مقاعد نيابية تتيح له أن يتزعّم كتلة نيابية تفوق كتلة «القوات»، وإنما باعتماده على الصوت الشيعي، رغم أن باسيل، وإن كان يحاول التمايز عن حليفه في ورقة التفاهم لاعتبارات مسيحية، فإنه بادر إلى تسديد ما عليه من فواتير سياسية في مناوأته للقوى الفاعلة في الشارع المسيحي.
وعليه، فإن الرهان على ارتفاع منسوب الاقتراع في الدوائر حيث الثقل للصوت السني يبقى في إطار التمنيات، وإن كانت دعوة المفتي دريان أحدثت تغييراً في المزاج السنّي يبقى خاضعاً للاختبار في صناديق الاقتراع لتبيان ما ستحمله من مفاجآت في هذا الشارع لوجود صعوبة في استقراء ما إذا كانت الأصوات لن تصب لمصلحة هذه اللائحة أو تلك، وإنما ستوزّع على اللوائح المتنافسة بنسب متفاوتة، ما يؤدي إلى تشتيت الصوت السنّي في بيروت الثانية في مواجهة لائحة الثنائي الشيعي، أو الأخرى المدعومة من جمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) التي افترقت عنها اقتراعاً وأبقت على تحالفها السياسي معها.
لذلك فإن المفاجآت في دوائر بيروت الثانية وطرابلس وعكار تبقى سيدة الموقف، ولن يكون في مقدور أي لائحة أن تحصد أكثرية المقاعد النيابية التي ستوزّع على اللوائح الرئيسية، بما فيها لائحة «بيروت للتغيير».