كتب رمال جوني في نداء الوطن:
أشبه ما يكون بحفلة استفتاء لا اكثر كانت معركة الجنوب الثالثة، وقد شهدت معركة البيت الواحد، اكثر من مواجهة بين فريقين يتنافسان على التغيير وبناء الوطن، فالتنافس كان اكثر بين المرشحين هاني قبيسي ومحمد رعد في دائرة النبطية، اكثر من نزالهم مع مرشحي لائحة «معا للتغيير»، حيث جهدت ماكينة حركة «امل» لرفع نسبة الاقتراع لقبيسي ليتجاوز اصوات رعد التفضيلية، كرد اعتبار له على ما أصابه في 2018 حيث جاءت نسبة اصواته في القرى دون المتوقع، وهو ما حدا بالماكينة الانتخابية الى اتباع تكتيكات جديدة في المعركة التي كانت شرسة. فالمعركة هذه المرة مغايرة كليا هي إستفتاء شعبي بين جمهور البيت الواحد ولمن الغلبة.
في قرى النبطية لا صوت يعلو فوق صوت الاناشيد، ولا كلمة تعلو فوق كلمة البنزين والمال الانتخابي وقد فعل فعلته هذه المرة، فالمعركة هنا لها وقع مختلف، فهي رهان على «الشعبية» والكل طامح الى تربعها وإن على حساب الازمات المعيشية الضاغطة التي غابت كليا عن المشهد، فلم يتحدث احد بها، ولا بما ينتظره بعد 15 ايار، كان هم الناس بمعظمهم كيف يبيعون أصواتهم وبأي سعر بحيث سجل سعر الصوت 750 الفاً في القرى وتجاوز المليون ونصف المليون مع تنكة بنزين للقادمين من بيروت، ولا عجب إن رفع شعار «صوّت وخود تنكة بنزين» بحيث شهدت المحطات طوابير اعادت مشهد طوابير الذل، ولكن هذه المرة لاجل «النهج».
ما إن فتحت صناديق الاقتراع حتى تهافت الناس للادلاء بأصوتهم، كان لافتاً غياب مندوبي لائحة «معا نحو التغيير» عن معظم الاقلام، وغياب الاصوات الاعتراضية، ما جعل المشهد الانتخابي على شاكلة مبارزة احادية.
حتى الرابعة عصراً كانت نسبة الاقتراع لم تتجاوز الـ35 بالمئة، وهي نسبة إن دلت على شيء فانها تدل على ضعف تقدير الماكينات الانتخابية ان كانت لثنائي «امل» ـ «حزب الله» او للمعارضة، حيث راهن الكل على نسب مرتفعة جدا.
الهدوء ساد القرى رغم صخب الاناشيد، معركة الصوت التفضيلي تحوّلت «ام المعارك» فهي بمثابة كسر عظم بين الثنائي الشيعي ما دفع بالمال الانتخابي ليفعل فعله قبل يوم واحد من المعركة، ووصل سعر الصوت التفضيلي الى 500 الف في القرى، في تأكيد فاضح على ان صوت الناس «يباع ويشترى»، هذا عدا عن استبعاد مندوبين محسوبين على جهة سياسية واستبدالهم بجهة سياسية اخرى.
صحيح أن ضربة كف واحدة لم تسجل، لكن سلسلة مخالفات امكن تسجيلها من بينها تمزيق رئيس القلم في مهنية النبطية للوائح الانتخابية، واخرى لرئيس قلم ينزل ورقة احد الناخبين بدلا منه، وعدا ذلك سار اليوم الانتخابي بسلاسة.
بالزغاريد والورد استقبلت تبنين رئيس المجلس النيابي نبيه بري للادلاء بصوته، فهي مسقط رأسه وعرين الحركة وتسعى ان تحصد اعلى نسبة اقتراع داخلها.
على طول الطريق من شقرا باتجاه مجدل سلم وصولا الى تبنين وحدها الرايات الصفر والخضر ترتفع، ووحدها طوابير البنزين تسيطر على المشهد، فالجو الانتخابي في هذه القرى مختلف كثيراً عن قرى النبطية، الماكينات خرجت الى الشارع تستقطب الناخبين، وترشدهم الى آلية الاقتراع ولمن الصوت التفضيلي. فمعظم ناخبي هذه القرى من بيروت، اقترعوا لـ»حزب الله» بحسب ما تشير اوساط متابعة، وما تظهره الرايات على سياراتهم، فالمعركة في هذه القرى تحديدا معركة الصوت التفضيلي، فـ»امل» تريد رفع شعبيتها المتزعزعة، و»حزب الله» يريد تثبيت شعبيته الكبيرة، اما المعارضة هنا فتكاد تكون خجولة وربما لا حضور لها.
في مجمع نبيه بري الجامعي ادلى بري بصوته، وسط تدافع الحركيين لالقاء التحية عليه، غير ان حراسه منعوهم من الاقتراب منه، فأدى هذا الأمر الى تدافع كبير بينهم، ما ترك استياء لدى كثر واعتبروه اجحافاً، وقال احدهم «نعطيه اصواتنا الا يحق لنا ان يكون قريباً منا»؟ وسأل آخر»ليش عم بخوفوه من الناس شو نحن منخوف»، في تأكيد على حجم الاستياء لدى الذين يرغبون برئيس «منن وفيهم» وليس رئيساً»يسكن بيتاً عالياً» .
المشهد في بنت جبيل وعيترون ودبل وعين ابل، مختلف، ساده جو من المعركة السياسية القوية، بين مرشحي قوى التغيير والثنائي، ولكنها بقيت في اطار الديمقراطية ولم تسجل ضربة كف واحدة، على العكس، عكست الصورة الحقيقية عن لبنان ووحدة التعايش بين مختلف الافراد، وكما قال المرشح علي مراد «الكل يتنافس بديمقراطية والناخب من يحدد خياره، لان المعركة تغييرية»وذلك لدى ادلائه بصوته في مدرسة عيترون الرسمية التي شهدت نسبة اقتراع مرتفعة وحماسة لافتة للناخبين وإن كانوا بمعظمهم من قوى الثنائي. وحده ابو محمد كان خارج المألوف، وقف بقبعة «معا نحو التغيير» امام مركز الاقتراع، بمحاذاته مندوبو لائحة الثنائي، لكل واحد رؤيته وتصوره للمرحلة المقبلة، ويؤكد ابو محمد أنه اختار التغيير لانه يريد دواء وطبابة واستقراراً اقتصادياً، جازماً ان المقاومة خط احمر.
الحماسة في قرى عيترون لم تنسحب على قرى دبل وعين ابل ورميش المسيحية، فنسبة الاقتراع كانت خجولة نسبياً خلافاً للمتوقع، بالكاد تجاوزت الـ15 بالمئة حتى الرابعة عصراً، ما سينعكس حتماً على الحاصل الانتخابي، فهناك ما يقارب الـ8 آلاف صوت مسيحي لم يعرف سبب إحجامهم عن الاقتراع، رغم ان المعارضة كانت تراهن عليهم في تغيير المعادلة.
على عكس القرى السنية في قضاء العرقوب وحاصبيا والهبارية وزعت اصواتها بين مرشحي اللائحتين، وان صبت بمعظمها في صالح مروان خير الدين لانه كما يقول احد المعارضين «دفع كتير مصاري» وبعض اصواتهم ذهبت للمرشح المسيحي الياس جرادي الذي يراهن الحزب الشيوعي كما المعارضة على تمكنه من الخرق لو وصلت اللائحة للحاصل الانتخابي، فقرى مرجعيون والقليعة وباقي القرى المسيحية صبت اصواتها في صالحه وليس في صالح اسعد حردان غير ان الخوف من أن يأتي الصوت الشيعي ويغير المعادلة.
في حاصبيا المنازلة على اشدها، تمكن المرشح فراس حمدان من كسب نسبة كبيرة من اصوات الدروز، وقد صبت في صالحه كرد اعتبار على ما تعرض له من حملة تخوين.
انتهت المعركة على سؤال ما الذي ستحمله الايام بعد 15 ايار؟ وهل ستكون لصالح الناس ام ضدهم؟