كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
بعد إجراء الانتخابات النيابية، من الطبيعي ان تتسارع الخطى لتشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن المجلس النيابي المنتخب، لان الحكومة الحالية تصبح مستقيلة دستوريا بعد ايام معدودة، والسؤال المطروح، هل تكون الطريق سالكة امام عملية التشكيل، ام انها كالعادة، ستخضع لاسلوب التعطيل الممنهج والابتزاز المعهود من الفريق الرئاسي، كما درجت عليه العادة في تشكيل الحكومات السابقة، بهدف الاستئثار بأكبر عدد من الحقائب الوزارية الوازنة؟
قد يكون من المبكر الاجابة عن السؤال المطروح حاليا، قبل استيعاب نتائج الانتخابات النيابية وقراءة ابعادها، والتغييرات التي افرزتها، وكيفية تموضع النواب الجدد داخل تركيبة المجلس، ومنحى التعاطي مع الاليات والتفاهمات المعمول بها لتشكيل الحكومات، ومدى تأثير هؤلاء النواب الذين يحملون المواصفات التغييرية في تحسين هذه الآليات، وتطويرها نحو الافضل، ام لن يكون لهم الدور المؤثر ضمن التركيبة التقليدية بالمجلس؟
وفي المقابل يجب رصد كيفية تعاطي المكونات السياسية الاخرى التي تتعارض توجهاتها مع النهج التغييري للنواب الجدد، وإمكانية التعاون معها، لتحسين الاداء التشريعي العام، والتفاعل سياسيا، في المسائل والقضايا المطروحة، لتلبية طموحات المواطنين، ام تقابل هذه القوى النيابية الجديدة، بعقلية الرفض، وسلوكية الصدام والمواجهة والاستعداء المتبعة من قبل بعض القوى والاحزاب الالغائية داخل المجلس وخارجه، ما يؤدي حتما الى تأجيج الخصومات والاوضاع السياسية، ويدخل البلد في دوامة متواصلة من التازم وعدم الاستقرار السياسي طوال المرحلة المقبلة.
فمن المعلوم ان ظروف تشكيل الحكومة الجديدة، تختلف عن تشكيل الحكومات بالظروف العادية، لانها تنبثق عن انتخاب مجلس نيابي جديد، وتتولى مباشرة التحضير لاجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، بوقت قصير نسبيا، وفي الوقت نفسه تهتم بإدارة شؤون الدولة والمواطنين في آن واحد.
ما يتم تداوله بالمجالس المغلقة، بأن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، يعتبر الحكومة الجديدة، بانها آخر حكومة تشكل في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي فهي تعتبر آخر فرصة نادرة ومهمة امامه، لكي تؤلف الحكومة، بمواصفات تتلاءم مع شروطه ومكاسبه السياسية والشخصية، وتوافق على مطالبه بالتعيينات بالمراكز المهمة وغير ذلك من القرارات الحكومية التي يرغب بتحقيقها. هذه المواقف اعلنت قبل اجراء الانتخابات النيابية، وكانت بمثابة جس نبض، ورسالة غير مباشرة لرئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي، بعد تواتر الانباء عن امكانية تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، والذي رد بمواقف رافضة لاي شروط مسبقة عليه لتشكيل الحكومة المرتقبة.
وهذه المواقف التي ترددت مرارا مؤخرا عبر وسائل الإعلام، تعبّر عن رغبة مسبقة للهيمنة على الحكومة الجديدة، ومحاولة فرض شروط ومطالب تعجيزية على رئيسها، ليس لتحقيق هذه المطالب فقط، وانما للاستئثار بقرارها السياسي او بجانب منه على الاقل باعتبارها الحكومة التي ستشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية بعد اشهر معدودة، او تتولى مهمات رئيس الجمهورية في حال، لم تحصل هذه الانتخابات، في حال لم يتم الاتفاق على اي مرشح للرئاسة، او جراء التعطيل المتعمد من قبل أي طرف مؤثر، كما فعل حزب الله بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
هذه المواقف المسبقة لرئيس التيار الوطني من تشكيلة الحكومة الجديدة، تؤشر بوضوح الى عراقيل مرتقبة في طريق تشكيل الحكومة العتيدة، ما لم تكن على قياس الشروط والرغبات التي يطرحها باسيل وفريقه السياسي.
ولذلك، فإن مسار الاتصالات والمشاورات المرتقبة لتشكيل الحكومة الجديدة بعد ايام معدودة من انتخاب المجلس النيابي، ستشكل مقياس الاختبار الاول في كيفية تعاطي النواب التغييرين الجدد ومن ينضم اليهم من القوى الاخرى، مع الطاقم السلطوي التقليدي، وما اذا بالامكان ارساء علاقة تفاهم بينهما بالمرحلة المقبلة، ام ينتهج هؤلاء اسلوب المعارضة والبقاء خارج السلطة حاليا. ولن يطول الامر بعد ذلك، لان استحقاق الانتخابات الرئاسية، سيشكل الاختبار الثاني الاكثر اهمية في علاقة هذه الاطراف مع بعضها البعض، وكيفية تعاطي كل طرف معها على حدة.
ما صدر من مواقف استباقية، لتشكيل الحكومة الجديدة، والحق بموقف تهديدي لرئيس كتلة حزب الله محمد رعد غداة ظهور نتائج الانتخابات النيابية، ضد النواب التغييرين الذين اطاحوا برموز مهمة في تحالف الممانعة في عقر الحزب بالجنوب، يؤشر بوضوح الى استياء ظاهري للحزب من نتائج الانتخابات النيابية، التي لم تكن مطابقة لتوقعاته، بالرغم من كل التحشيد المادي والمعنوي والترهيب ضد خصومه في اكثر من دائرة انتخابية، والخشية من اتساع حالة التغيير في اوساط جمهوره مستقبلا، وهو ما يخشى معه من تصعيد سياسي مرتقب، يطال عملية تشكيل الحكومة العتيدة، وينسحب على الانتخابات الرئاسية، لظهور بوادر عدم تقبل الحزب وحلفائه، للنواب التغييرين في المجلس النيابي الجديد.