IMLebanon

شهر على غرق “مركب الموت”: التحقيقات متوقّفة

كتب عبدالله قمح في “الأخبار”:

شهر كامل مرّ على حادث غرق «مركب الموت» قبالة مدينة طرابلس، ولا إشارات تدلّ إلى إمكان انتشال المفقودين من المركب الغارق في قاع البحر، أو إلى تقدّم في التحقيقات لتحديد المسؤوليات. القضاء العسكري غير مستعدّ للذهاب بعيداً في انتظار تعويم المركب، والجيش اللبناني غير قادر على الدفاع عن روايته قضائياً، فيما يبدو أن أهالي الشهداء والمفقودين لن ينتظروا طويلاً لمعرفة المسؤول عن الكارثة، ملوّحين بتحرّكات تصعيدية

لا أعداد نهائية رسمية للمفقودين في قاع البحر (يُقدّر عددهم بـ33)، فيما بلغ عدد الشهداء عشرة، إلى جانب 45 ناجياً. وفيما تغدو الأرقام تفصيلاً، يبقى الغموض الذي يلفّ القضية موضع شك قد يضيّع الحقيقة. الثابت الوحيد الذي يمكن استخلاصه لغاية الآن، أن ثمّة «راكبي أمواج» خطّطوا للفرار من «الجحيم»، و«راكبي مصلحة» بصفة تُجّار يتخذون من غلبة الفئة الأخيرة مشاريع للإثراء. وهكذا، تمضي الأيّام والأمور تبقى مُعلّقة «رهن التحقيق» الذي تقول أوساط مُطّلعة عليه، إنها تنتظر عملية تعويم المركب كي يتسنى لها المباشرة بالاستدعاءات لجميع المشتبه فيهم والشهود، للاستماع إليهم حول أسباب غرق المركب، فيما تُترك القضية الأساس المرتبطة بالإعداد لـ«رحلة القدر الأخير» بعيدة عن المتابعة، ما أتاح لبعض الذين يُشتبه في تورّطهم فيها، التحوّل إلى ناشطين في مجال «حقوق الإنسان»، أو ناشطين سياسيين ظهروا كآلات للدعاية السياسية والانتخابية أخيراً.

حتى الآن، لم تتجاوب الدول المحيطة مع طلبات رسمية لبنانية لمشاركة خُبراتها في تعويم المركب الغارق، بعدما حُدّد مكانه بالقرب من جزر النخل في بحر طرابلس، باستثناء شركة بريطانية أبدت استعدادها للعمل مقابل مليونَيْ دولار أميركي، وبحسب المعلومات الخاصة، ثمّة صعوبة في تأمين المبلغ المطلوب. وعليه، يستقرّ المركب على عمق يُراوح بين 450 و480م، وهو يحتاج إلى تقنيات خاصة لانتشاله، أوهمَ النائب المنتخب أشرف ريفي أهالي الشهداء قبيل الانتخابات أن في مقدوره المساعدة، من خلال مساهمته بتوفير كاميرات ذات تقنية عالية تعمل تحت الماء على أعماق شاهقة، بإمكانها رصد مكان الغرق المحتمل، ما دفع بمعدّ الرحلة ر. دندشي إلى الإعلان أنه سيصوّت إلى جانب ريفي. في المقابل، طرحت منظمات مدنية محلية المساعدة ضمن إمكاناتها، لكن يتعذّر الموضوع بالنسبة إلى الجيش الذي يخشى إلحاق أضرار في المركب المنكوب في حال لم تُتّبع إجراءات تقنية/ وقائية ضرورية يجب أن تراعي عملية انتشاله، ما يعني احتمال فقدان الدليل الذي يراهن عليه لإثبات براءته من تهمة الارتطام بالمركب بقصد إغراقه. وتتخوّف المؤسسة العسكرية من احتمالية اتهامها بتعمّد العبث بالأدلّة لتضليل التحقيق في حال لحق بالمركب أيّ أذى أثناء تعويمه.

بالنسبة إلى الأهالي، لا همّ لهم من كل هذا «النقاش» القانوني/ التقني، ولا عزاء في مشاهدة مسلسل تقاذف الاتهامات من قبل الجميع، والسيّئ أنه يحدث تحت أعين القضاء، المتريّث عن اتخاذ أي إجراء إلى حين انتشال الجثث، ملقياً أسباب التأخر على الدولة العاجزة -كما تقول- عن رصد الأموال اللازمة. هذه الأخيرة تُلقي بالمسؤولية على الجيش المُطالَب من قبلها بتوفير «اللوجستيات» من ميزانية خاوية. الجوّ ينعكس على الإجراءات على الأرض. لغايته، استقرّ عدد المستدعين إلى التحقيق في حادثة الغرق على قبطان المركب أ.ج (سوري الجنسية) الذي ذهب «فرق عملة» بوصفه الحلقة الأضعف. غداة الكارثة استُمع إليه من جانب القضاء العسكري، قبل أن يُترك «رهن التحقيق». بالنسبة إلى العسكريين الذين أبدت قيادة الجيش استعدادها لتسليمهم إلى القضاء للتحقيق معهم، ما زالت عند موقفها غير أن الأخير يتلكّأ بصورة واضحة عن استدعائهم للذريعة ذاتها: «عدم انتشال المركب»، وهذا يسري على المشتبه فيهم من المدنيين المتهمين بالإعداد للرحلة وعلى رأسهم ع. الدندشي وشقيقه ر. الدندشي اللذان ظهرا أخيراً كناشطين في حملة النائب أشرف ريفي الانتخابية، ما دفع بحقوقيين وقانونيين لإبداء اعتقادهم بأن التحقيق «مجمّد».

مصادر التحقيق تفيد «الأخبار» بأن القوائم الاسميّة بالنسبة إلى المطلوب استدعاؤهم «جاهزة»، غير أنه ليس في وسعها البدء بالتنفيذ لعدّة أسباب. السبب الأول، تقني، ويتصل بظروف عدم انتشال المركب بعد، كونه يحتاج إليه لإكمال عناصر التحقيق وختم الملف تمهيداً لإحالته والانتقال إلى الخطوة الثانية. أما السبب الثاني فهو إنساني، فلا يجوز مبدئياً استدعاء شهود من جانب الأهالي، أو مدنيين مسؤولين عن الإعداد للرحلة، للاستماع إليهم وأقرباؤهم لا يزالون تحت الماء. وفي هذا المجال ليس سرّاً أن تهديدات أُرسلت من هذه الفئة قبل مدّة من خلال مسؤولين ورجال دين، تحذّر فيها من أنها سترد على أي استدعاء قضائي متى نال الأفضلية على قضية انتشال أبنائها، وهو سبب يدفع القضاء إلى المزيد من التريّث لعدم نقل الملف إلى موضع اشتباك قد يطيح به. في المقابل، يعيش «تُجّار الموت» أسعد أيامهم، ما يسهم ذلك في تعزيز تجارتهم غير القانونية.

مصادر أهلية محسوبة على ذوي الشهداء لم تنكر في حديث لـ«الأخبار» نيّتها التصعيد وصولاً إلى انتشال المفقودين ومحاسبة المرتكبين «أياً كانوا». ويبدو أن اللجان الأهلية التي شُكّلت لمتابعة القضية عازمة على ملاقاة الإهمال من خلال تحركات بوتيرة تصاعدية في الشارع. ويسود نقاش حامٍ من جدوى تحويل نهار الجمعة من كل أسبوع إلى يوم للاعتصام في طرابلس، ما يدفع الأجهزة العسكرية و الأمنية للإبقاء على جهوزية.