كتب منير الربيع في “المدن”:
تتحول الاستحقاقات اللبنانية الداهمة إلى أجزاء تفصيلية متناثرة، إذا قررنا النظر في صورتها الجامعة.
اليوم مثلًا، أصبح انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب أمرًا شبه محسوم. فيعود نبيه برّي رئيسًا لهذا المجلس لولاية سابعة. لكن الأهم هو إلقاء نظرة متفحصة إلى ملفات خارجية لها انعكاساتها في الداخل: من ترسيم الحدود، إلى المساعي الفرنسية لفرض تسوية. وهذا لا ينفصل عن التطورات الإقليمية والدولية، من محاولات إحياء مفاوضات السلاح النووي الإيراني، واحتساب احتمالات التصعيد على وقع العمليات الأمنية داخل إيران، وتوتر الأوضاع على الحدود الأردنية- السورية، إضافة إلى انسحاب قوات روسية من سوريا مقابل توسع إيران فيها.
استنفارات ومحاولة تفاهم
هذه التطورات لها انعكاسات على الواقع اللبناني في ضوء استنفار حزب الله العسكري ضد احتمالات إسرائيلية، فيما تستمر المناورات الإسرائيلية وتحاكي نشوب حرب واسعة النطاق. وتحيل المشاهد إلى احتمال تصعيد إقليمي أو دولي في المرحلة المقبلة. تصعيد ستكون آثاره مباشرة على الوضع في لبنان، سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.
لكن لا يمكن إغفال مساعي ترتيب العلاقات السعودية- الأميركية، خصوصًا في ضوء معلومات عن ترتيب لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، موضوعه الأبرز البحث في رفع إنتاج النفط السعودي. ولا بد للسعودية من أن تطالب بمكاسب سياسية في المقابل، بدلًا من تقديم واشنطن تنازلات لصالح طهران.
عباس ابراهيم والترسيم
الملف النفطي يشكل أولوية للقوى الدولية، ولا سيما أميركا وأوروبا. وتقول مصادر متابعة إن الزيارة الخاصة التي يقوم بها اللواء عباس ابراهيم إلى واشنطن ترتبط بترسيم الحدود، وبحثًا عن إنجاز قريب لاتفاق. يأتي ذلك بعد مواقف لرئيس الجمهورية ميشال عون دعا فيها الأميركيين إلى تفعيل مبادرتهم للوصول إلى الاتفاق الذي يريد الأميركيون ضمان موافقة حزب الله عليه.
لا ينفصل هذا عن إصرار إسرائيل على البدء بعمليات الحفر والتنقيب في حقل كاريش أو في سواه من الحقول، على الرغم من عدم الوصول إلى اتفاق مع لبنان. وفي حال تم التوصل إلى صيغة أميركية مرضية، يمكن إنجاز ملف الترسيم. أما في حال التعثّر فيرتفع منسوب التوتر جنوبًا، ويرتبط بتطورات العلاقة الإيرانية- الأميركية.
ثمة من يرى في زيارة اللواء عباس ابراهيم إلى أميركا، نوعًا من توازن أميركي مع السعودية في الملف اللبناني. فالرياض تعتبر أنها معنية مباشرة بما يحدث في لبنان ما بعد الانتخابات. وهي تبحث عن موقف أميركي مؤيد لطروحاتها في هذا المجال.
سباق التصعيد والتهدئة
وتفيد المؤشرات أن المنطقة مقبلة على تطورات حاسمة في المرحلة المقبلة. الملف السوري سيكون حاضرًا مجددًا. ولا يمكن إغفال كلمة السفير السعودي وليد البخاري، الذي وصف الشخصيات المحسوبة على النظام السوري بأنها رموز الغدر، وسقطت في الانتخابات. وهذا موقف سعودي يحمل منسوبًا مرتفعًا من الاعتراض على النظام في سوريا، ويشير إلى استبعاد أي محاولة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة.
وسط هذه التطورات، ينتظر لبنان تبلور الصورة الإقليمية والدولية. والضغط القائم حاليًا قد يدفع إلى تسويات معينة أو موقتة، وقد يدفع في المقابل إلى تصعيد وتدهور غير مسبوق.