كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
أصدرت وزارة الصحة العامة، أمس، «سعر الصرف» الجديد لمؤشر أسعار الأدوية، وحدّدته بـ29 ألفاً و600 ليرة لبنانية بدلاً من 26 ألفاً. لكن الإصدار الجديد لم يمرّ بسلامٍ هذه المرة. فمنذ دخوله حيّز التنفيذ، قامت الدنيا ولم تقعد، مثيراً بلبلة بين المعنيين في القطاع، من الصيادلة إلى المستوردين إلى أصحاب المستودعات، رافضين «الطعم الذي رمته وزارة الصحة لنا»، على ما يقول أحدهم… والذي سيُترجم ابتداءً من اليوم بالخلاصة التالية: لا أدوية بعد اليوم.
لم تعد أزمة الدواء محصورة بانعدام فرص المرضى في الحصول على حقهم بالعلاج، ولا بالجشع الذي يمارسه المستوردون ولا أصحاب المستودعات، وإنما امتدّت لتصبح «مشكلة على سعر صرف المؤشر»!
وتكمن المشكلة في تضارب وجهات النظر بين أطرافٍ ثلاثة هي: وزارة الصحة العامة وأصحاب الصيدليات والمستوردون، حول قيمة التسعير. ففي الوقت الذي يطالب فيه المستوردون بدفع السعر لكي يقترب من سعر صرف الدولار الذي لامس أمس عتبة الـ38 ألف ليرة، قرّرت الوزارة أن تقف عند عتبة الثلاثين، لاعتبارين أساسيين: أوّلهما ما كان قد قاله المعنيون في وزارة الصحة، ومنهم الوزير، خلال النقاشات الأخيرة التي جرت مع المستوردين والصيادلة أيضاً، بأن «المستوردين استوردوا الدواء على سعر صرف 26 ألف ليرة ويفترض أن يكون سعر الـ29 ألف ليرة منصفاً»، وثانيهما هو «أننا لا نستطيع تحميل الخسارة الكبيرة دفعة واحدة للمواطن»، على ما قال وزير الصحة العامة، فراس أبيض، لـ«الأخبار». ولأن الخسارة كبيرة، فمن المفترض بحسب أبيض «أن يتحملها الكلّ»، لكونها مسؤولية جماعية وليست فردية.
ما يقوله أبيض لا يمت بصلة إلى ما يقوله المستوردون والصيادلة. فمن وجهة نظر المستوردين، لا يعني استيراد شحنة من الدواء على سعر صرف الـ26 ألفاً تسليمها إلى الصيدليات والمستشفيات وأصحاب المستودعات بسعر الوزارة المطروح. والمبرّر لدى هؤلاء هو أن سعر صرف المؤشر الذي باعوا على أساسه لن يسدّ جزءاً مما سيشترونه على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
لهذا السبب، كان الردّ حاسماً في الاجتماعات مع وزارة الصحة قبل صدور المؤشر، أن لا تسليم ولا بيع ولا شراء. وهذا ما سينعكس تالياً على الأوضاع في الصيدليات، إذ يشكو معظم هؤلاء وخصوصاً في المناطق من «قلّة التسليم»، ويشير أحد الصيادلة إلى أنه «منذ عشرة أيامٍ لم نتسلّم حبة دواء واحدة، ولم نستطع أن نلبي مطالب مرضانا».
مأخذ الصيادلة هنا على الطرفين: الوزارة التي «تتقاعس عن القيام بدورها، إذ يفترض بها أن تضغط على المستوردين لتسليم البضائع التي كانوا اشتروها على سعر الـ26 ألفاً، وأن تكون أكثر تسامحاً في سعر المؤشر خصوصاً في ظلّ صعود الدولار»، والمستوردون الذين «يمتنعون أصلاً عن التسليم، فكيف الحال في ظلّ صدور مؤشر رفضوه قبل أن يصبح نافذاً؟». وهو واقع يقود، بحسب نقيب الصيادلة، جو سلوم، إلى «الفوضى»، داعياً في الوقت نفسه إلى «العمل على إيجاد حلول نهائية بدلاً من الحلول المؤقتة كمؤشر الأدوية وحلقات الدعم».
في ظل تلك الفوضى، ينشط ما بات يصطلح على تسميتهم «تجار الشنطة» الذين يعملون اليوم على تهريب أدوية من بلدانٍ مجاورة والعمل على بيعها لأصحاب الصيدليات. وفي هذا السياق، يشير أحد الصيادلة إلى «أن أحد تجار الشنطة عرض عليّ أمس مجموعة إبر إنسولين لمرضى السكري وأدوية أخرى تحتاج في الأصل إلى طريقة حفظ معينة وتوضيب معين»! والسؤال هنا: من يراقب هذه الفوضى؟ من يضمن سلامة المرضى من الأدوية المهرّبة التي باتت تباع مثل «البونبون»؟
ومع انخفاض سعر الدولار مساء، واقتراب سعر السوق من سعر المؤشر الجديد، تساءل ابيض: «هل سيتم تسليم الأدوية الى الصيدليات؟ وهل ستقوم الصيدليات ببيع الادوية المخزنة لديها؟» معتبرا ان ساعة الحقيقة قد دقت.