رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أننا “نحمل مسؤولية الإنهيار المرعب والمريب لجميع المسؤولين أكانوا حاكمين أم معارضين ولقوى الأمر الواقع”، مشيرا الى أنّ “الحكام أخطأوا في الخيارات والتحالفات، واقترفوا الـمعصيات، وتواطأوا وانحرفوا. وقوى الأمر الواقع انقلبت على هوية لبنان ودستوره وميثاقه ورهنت الأرض والشعب والدولة لدول خارجية تحمل مشاريع غريبة عن بيئة لبنان ورسالته.
واضاف الراعي خلال قداس تكريس كاتدرائية سيدة العطايا ومذبحها التابعة لكرسي نيابة جونية البطريركية في ادما: “أما قوى المعارضة فاسترسلت في خلافاتها اليومية والانتخابية على حساب القضايا المصيرية، ولم تبادر بعد إلى الاتفاق. وكان ينقصنا أن تربط دول أجنبية مصير صراعاتها مع محاور الـمنطقة على حساب لبنان، وهي تدرك جيدا وسلفا أن لبنان لا يحتمل نتائج هذا الصراع، وأن أجنداتها تختلف عن أجندة لبنان”.
واشار الى أنّ “جميع اللبنانيين يعيشون نتائج هذا الإنهيار على كل صعيد، ولا حاجة لتعدادها، بل ينبغي إيجاد حل لها والنهوض منها. فلا بد من أن نبدأ من رفع الصوت، ومن انتفاضة شعبية مصححة، ومن التغيير الوطني، ومن خطة تعاف لمصلحة اللبنانيين أولا، ومن انبثاق سلطة شرعية جديدة ووحيدة، ومن التوجه إلى الأمم المتحدة لضمان وجود لبنان حر حيادي وقوي ولتنفيذ القرارات الدولية. من دون ضغط شعبي وأممي قد تتعرض الاستحقاقات الآتية: من تأليف حكومة وإجراء الإصلاحات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري، إلى خطر التعطيل. فالأجواء توحي بكل اسف بأن أطرافا تدأب على تعطيل هذه الاستحقاقات وسرقة الإرادة الشعبية ومنع إنقاذ لبنان”.
وتابع البطريرك الماروني: “ومن المؤسف حقا أن ممارسة القضاء في لبنان لا تطاق تماما مثلما لا يطاق الوضع المعيشي، ذلك أن بعض القضاة جعلوا من نفوسهم أدوات في أيدي النافذين السياسيين والطائفيين. وبات معلوما أنهم يجمدون ملفات صحيحة، ويركبون ملفات وهمية، ويوقفون أبرياء ويتغاضون عن مذنبين، ويتخطون مهلة التوقيف الاحتياطي، ولا يميزون بين الجنحة والجناية. لا يحق بأي حال أن يترك هؤلاء القضاة يخالفون أصول المحاكمات وقواعد الإستدعاء والتوقيف ويصدرون قرارات مفعمة بالكيدية والبغضاء والعقد والأحقاد الحزبية والشخصية، ويسيئون إلى حرية الانسان، وكرامته وإلى هيبة القضاء”.
وسأل: “كيف يمكن القبول بهؤلاء القضاة الذين لا يزالون يعتقلون شبابا لأنهم كتبوا شعارات على ملصقات، ويتركون طلقين أشخاصا ارتكبوا الجرائم والـمعصيات. وكان ينقص القضاء أن يمتنع وزير المالية، من دون وجه حق وخلافا لصلاحياته، عن توقيع مرسوم تشكيل هيئة التمييز ليبقى التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت معلقا، فيظل المتهمون والموقوفون من دون محاكمة، لا يعرفون ماذا ينتظرهم ومنهم أبرياء قيد التوقيف منذ الرابع من آب 2020. فإن كان لا بد من إصلاح فعلى صعيد القضاء لأن الكيل طفح!”
وشدد الراعي على أنّ “البطريركية الأنطاكية المارونية بما تمثل روحيا ومعنويا وشعبيا ووطنيا، وبما يملي عليها دورها التاريخي في لبنان وسائر بلدان المشرق، ستدافع بكل قواها لإنقاذ لبنان، وستكون في طليعة شعبها الذي لم يعد يقبل أن يكون ضحية سواه تحت أي حجة وذريعة. نريد أن نعيش هنا، وهنا بالذات، أحرارا، رافعي الرأس، في الازدهار والحضارة، كما كنا، حاملين رسالة الآباء والأجداد، وأوفياء للشهداء. ثقوا بأنفسكم، ثقوا بالمستقبل، ثقوا بأن النصر للحق، ونحن أصحاب حق وقضية وإيمان”.