من المؤكد أن الرئيس نبيه بري سيُنتخب بولاية سابعة في مجلس النواب، بغض النظر عن الأصوات وتوزعها. وإن كان سيُنتخب بعدد لا بأس به من الأصوات، إلا أن المفارقة الأهم تبقى في أن لا مرشح منافساً له على رئاسة المجلس.
هذا الواقع يُثبت أن لا تغيير منتظراً في المشهد السياسي اللبناني، لأن أي تغيير في النظام البرلماني الديمقراطي يجب أن ينطلق من مجلس النواب تحديداً الذي يشكّل أمّ المؤسسات الدستورية، ومنه ينطلق كل التشريع وخصوصاً في ظل الإصلاحات المطلوبة، كما يُفترض بمجلس النواب أن يشكل ساحة المحاسبة والمساءلة للسلطة التنفيذية، أي الحكومات.
لكن كل التجارب السابقة على مدى 30 عاماً تؤكد بما لا يقبل أي شك، أن المرحلة المقبلة لن تختلف عمّا سبقها، سواء لناحية الإصلاح المستحيل، وليس بالضرورة لأن مجلس النواب لا يسنّ القوانين المطلوبة، إنما لأن القوانين في لبنان تبقى كوجهة نظر ولا يتم تطبيقها، كمثل قوانين الكهرباء، ولا مجلس نواب يحاسب الحكومات والوزراء على عدم تطبيق القوانين.
لا بل إن الأخطر من ذلك أن انتخابات رئاسة مجلس النواب وموقع نائب رئيس المجلس إنما حصلا بموجب تسوية سياسية واضحة المعالم تكرّس النهج القديم في مجلس المحاصصة اللبنانية، من دون أي تغيير يُذكر، ما يُسقط كل الرهانات على أي مشهد نيابي جديد.
وإذا كان اللبنانيون سيسدلون الستارة عن انتخابات رئاسة مجلس النواب، فإن بقية الاستحقاقات الدستورية لن تكون بأفضل حال، من تسمية رئيس جديد مكلف تشكيل الحكومة، وصولاً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، وكلها استحقاقات ستشهد مساعياً للتسويات من الداخل إلى الخارج، تكون فيها إرادة الشعب اللبناني خارج المعادلات.
والأسوأ هو أن كل الرهانات على التغيير والنواب التغييريين ذهبت ادراج الرياح في ظل كل المعلومات عن الانقسامات الداخلية والحاجة عند كل تفصيل إلى مفاوضات مكوكية تُضعف كل الزخم التغييري. يكفي لكل من تابع مجريات انتخابات نقابة أطباء لبنان أن يُدرك كيف أن انقسام من يدعون التغيير والمعارضة يصبّ دائماً في خدمة المنظومة، ولا ندري إن كان ذلك يجري عن قلّة تبصّر أو نتيجة اختراق المنظومة لكل خصومها وتمكنها من تفتيتهم من الداخل.
في خلاصة المشهد العام تسقط أحلام التغيير عند أول مفترق طرق، ويتضّح أن الشعبوية وإعلاء المصالح الخاصة والمزايدات التافهة على المصلحة العامة يشكلان نقطة الضعف الجوهرية لدى من يدّعي التغيير، اللهم إن لم يكن قسم من التغييريين يعمل لمصلحة المنظومة من حيث يدري أم من حيث لا يدري.
وبذلك يصبح الرهان على المجلس الجديد للقيام بالتغيير المنشود أشبه بحلم إبليس بالجنة، في ظل عدم القدرة على توحيد القوى، ما يريح “حزب الله” وينقل المعارك في أكثرية الملفات إلى معارك داخلية بين القوى المصنفة معارضة والقوى المصنّفة تغييرية، وما يحتّم عمل “القبعات الزرق” النيابية بشكل دائم على خطوط الجبهات النيابية الداخلية بين من يُفترض أنهم يعارضون المنظومة… فبأي تغيير يمكن أن نحلم؟