IMLebanon

“رائحة” تسويات تفوح من “بحر الثروات”

كتب ألان سركيس في “الجمهورية”:

سرقت تطورات الجنوب الإهتمام من الوضع الداخلي خصوصاً أنّ ما يحصل على الحدود البحرية قد يُنذر بتطورات خطيرة.

على وقع التوقّعات بصيف سياحي واعد في لبنان قد يكون من أهم المواسم ويُشكّل متنفساً للإقتصاد اللبناني، أتى التوتّر في الجنوب ليزيد المخاوف بشأن اندلاع مواجهات مع إصرار إسرائيل على بدء استخراج الغاز من حقل «كاريش».

لكن ما يدعو إلى الريبة والحذر أكثر هو المناكفات الداخلية التي تمنع لبنان من الإستفادة من الثروة النفطية التي هو بأمسّ الحاجة إليها، ففي وقت يُروّج أركان العهد لاحتمال بيع ذهب لبنان، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتأخّر في التوقيع على تعديلات المرسوم 6433 ليصبح الخط 29 منطلقاً للتفاوض بدلاً من الخطّ 23.

وبطبيعة الحال فإن هذا التأخير من عون أتى وسط شكوك من أنه يريد أن يقدّم هدايا إلى الأميركيين لقاء رفع العقوبات عن صهره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وربما تقوية حظوظه الرئاسية.

وبما أنّ ولاية عون قد شارفت على الإنتهاء، فإن القراءة التحليلية لاستعجال إسرائيل التحرّك في «كاريش» تفضي إلى أسباب عدّة أولها الطلب العالمي المرتفع على الغاز بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، فمنذ 3 سنوات، كانت هناك تصاريح لكبار الإقتصاديين من أن حقول الغاز المكتشفة على شواطئ البحر الأبيض المتوسّط لن تجد أسواقاً لتصريفها خصوصاً أن أوروبا تؤمّن إكتفاءها الذاتي بنسبة كبيرة من روسيا.

وبعد الحرب الأوكرانية والحظر على استيراد الغاز الروسي، فإن العالم بأمسّ الحاجة إلى استخراج الغاز لسدّ العجز، وسط ارتفاع الأسعار ما يدفع تل أبيب إلى الإستفادة من الثروات الموجودة في البحر وسط تقاعس الداخل اللبناني عن البدء بالتنقيب واستخراج الغاز.

لكن الموضوع الأساسي الثاني يبقى في الضغط الإسرائيلي من أجل تسجيل أكبر قدر من المكاسب قبل انتهاء ولاية عون، فإذا انتهت ولايته، فإن أي رئيس جديد لن يكون مجبراً على تقديم تنازلات للأميركيين بغضّ النظر عن المحور الذي ينتمي إليه، في حين أن عون «ملقوط بالإيد يلي بتوجعو»، وهو مستعدّ للتضحية بأي شيء وذلك من أجل الحفاظ على مستقبل صهره باسيل.

وإذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا يرضى بما يحصل، إلا أن حكومته باتت حكومة تصريف أعمال، وحتى لو لم يصبح رئيس حكومة تصريف أعمال، إلا أنه غير قادر على القيام بأي خطوة بلا توقيع رئيس الجمهورية على تعديلات المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة ليبدأ بعدها التحرّك الفعلي واستكمال المحادثات من أجل التوصّل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود الجنوبية.

وأمام كل هذه العوائق، يتحرّك ميقاتي مكبّلاً لأن الطابة بملعب عون ولا يمكن رفع سقف المطالب وحفظ حقّ لبنان بثرواته من دون توقيعه على التعديلات.

ويتحرّك ميقاتي على أكثر من صعيد ويجري اتصالات عربية ودولية وذلك من أجل احتواء الموقف، والتواصل الأهم يحصل مع الأميركيين، وفي المعلومات إن الإتصالات الأميركية نشطت لاحتواء الموقف، فواشنطن تريد حماية مصالح إسرائيل لكن في الوقت نفسه لا تريد أن ينجرّ الجنوب إلى مواجهة مفتوحة لأن أي حرب ستؤدّي إلى دمار لبنان، ويهمها ان تبقى الساحة اللبنانية محيّدة وأن تمرّ هذه المرحلة بهدوء ريثما يتمّ الوصول إلى اتفاق شامل حول الحدود.

وبعد الانتقادات القاسية التي طالت عون في تعاطيه مع هذا الملف، شكّل التواصل أمس بينه وبين ميقاتي مدخلاً لتوحيد جهود لبنان الرسمي في مواجهة التعديات الإسرائيلية، وقد تمّ التوافق على دعوة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للحضور إلى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على إنهائها في أسرع وقت ممكن، وذلك لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار التي تعيشها المنطقة. وتقول مصادر متابعة إن الخطوة الإسرائيلية الاستفزازية ربما قد تسرع بعملية التفاوض وربّ ضارة نافعة، لكن الموقف اللبناني لن يقبل بأقل من حصول لبنان على حقه بالكامل.

وتضيف المصادر: ستباشر السلطات اللبنانية بإجراء سلسلة اتصالات ديبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، وللتأكيد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، فلبنان لا يرغب بالتصعيد أو تعقيد الأمور لكن هذا الأمر لا يعني أن تستبيح إسرائيل حدودنا، لذا هناك رهان على المفاوض الأميركي لكي يكون عادلاً ويقرّب وجهات النظر خصوصاً أن الوثائق التي يملكها لبنان تثبت حقه البحري.

ولا يرغب لبنان في ظل الانهيار القائم بالدخول في مواجهات عسكرية أو سياسية، لكن في الوقت نفسه فإن الخفة بالتعامل مع ملف كهذا زادت الأطماع الإسرائيلية وجعلت لبنان يتأخر في استخراج ثرواته.