IMLebanon

الـ”هويّات” على خطى الـ”باسبورات”؟

كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:

بما تيسّر، تُنجز المعاملات في إدارات الدولة ومؤسساتها. ففي ظلّ أزمة مالية غير مسبوقة ومستمرة، بات من الصعب إتمام معاملة في موعدها الطبيعي. حتى تلك التي كان إتمامها «تحصيلَ حاصل»، أصبح الحصول عليها مشقّة، وبات إصدار إخراج قيدٍ فردي من دوائر النفوس أو الحصول على رقم مالي من وزارة المالية أو إفادة عقارية أشبه بالفوز بـ«ورقة لوتو» في زمن الانهيار.

اليوم، ثمّة أزمة على بساطتها، إلا أنها تشُلّ العديد من مؤسسات الدولة، وهي أزمة النقص الفادح في الأدوات المكتبية اللازمة لإنجاز المعاملات، من الأوراق البيضاء إلى أوراق الإيصالات إلى القرطاسية، من دون أن ننسى الكهرباء. غياب هذه الأمور يجعل من مَهمة إصدار ورقة مهمة رسمية، مهمة مستحيلة. أما السبب الأساس الذي أوصل إلى انتكاسة بهذا الحجم، فيكمن في مكانٍ واحد: الفارق بين «ليرة» الدولة وبين دولار السوق الذي تُسعّر على أساسه غالبية الخدمات، إذ إن كلّ المستلزمات واللوازم المكتبية لا تزال تُرصد كلفتها ضمن موازنة الدولة بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرفٍ رسميٍّ متوقف عند 1507 ليرات، فيما هذه المستلزمات مستوردة. وقد أدّى هذا الأمر إلى توقف المناقصات، بما أنّ فارق الأسعار بين ما تعطيه الدولة وبين ما يطلبه المستوردون يحول دون إجراء استدراج عروضٍ سيكلّف أضعاف الاعتمادات المرصودة. ويحيل هذا الأمر إلى الصورة التي باتت عليها تلك المؤسسات، حيث يعمد المكلّفون إلى متابعة سيرها لتدبير أمورهم «بالتي هي أحسن»، على ما يقول المدير العام للأحوال الشخصية، العميد الياس خوري.

ما يجري «بالتي هي أحسن» لم يعد محصوراً في مكانٍ واحد، بل يمكن تعميمه على جلّ المؤسسات العامة البالغ عددها 93 مؤسسة والوزارات أيضاً، ومنها ما بات خارج نطاق خدمة المواطنين.

مصلحة تسجيل السيارات
منذ الرابع من نيسان الماضي، توقف العمل كلياً في مصلحة تسجيل السيارات. مجموعة أسباب تراكمت وأدّت إلى هذه النهاية، منها جائحة كورونا التي فرضت حضوراً مخفّفاً في تلك الإدارة، مروراً بأزمة المحروقات، وصولاً إلى «الإفلاس» الذي تعانيه اليوم في ما يخصّ المستلزمات المكتبية.
تكمن أزمة المصلحة في ما هو مرصود لها من الموازنة على أساس سعر الـ1507 ليرات، إذ إنها لا تزال تصرف اليوم على أساس الموازنة السابقة، بما أن الموازنة الحالية بتعديلاتها وإضافاتها لم تدخل حيّز التنفيذ. تقول المصادر إن «الاعتمادات المرصودة انتهت في شهر تموز من العام الماضي، وبدأت الأزمة تظهر». كان ثمة حسن حظٍ هنا أدى إلى تأخير الأزمة حتى ذلك الوقت، وهو قرار تخفيف دوامات العمل بسبب جائحة كورونا، ما أبقى العمل في المصلحة قائماً. غير أن هذا الأمر لم يستمرّ طويلاً، في ظلّ حاجة المصلحة إلى تلك اللوازم التي يقوم عليها العمل في معظمه، فهي تحتاج يومياً على سبيل المثال إلى «ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف إيصال ما بين معاملات ميكانيك وفك رهن وفك حجز…». وبحسابات أخرى، كانت المصلحة تحتاج في يومي العمل اللذين حدّدتهما الدولة إلى ما يقرب من «50 صندوقاً من أوراق الإيصالات».

وبما أن المصلحة لم تكن قادرة على زيادة اعتماداتها في ظلّ غياب الموازنة الجديدة أولاً، ولكون الطلب الآن «يحتاج إلى مرسوم في مجلس الوزراء لطلب مساهمة إضافية»، لجأت إلى وزارة المالية «للعمل على تأمين الإيصالات»، فسارت الأمور في البداية على قاعدة «تسيير الأمور من الفائض في وزارة المالية». إلا أن ذلك لم يكن كافياً، وهو ما دفع بالإدارة إلى العمل على تأمين «هبات»، وقد أسهم هذا الأمر في بعض الحلحلة، وترافق مع عمليات التقنين في المصلحة نفسها. وفي هذا السياق، يشير أحد العاملين إلى «أن الإدارة مثلاً باتت تسلّمنا الورق بالورقة وليس بالماعون، ونضطر في بعض الأحيان إلى استخدام الأوراق المستعملة، وقد نطلب من المواطنين إحضار الأوراق إن كانت معاملة عادية، كما أن بعض الموظفين باتوا يتقاسمون مثلاً سعر محبرة الطابعة كي ينهوا أعمالهم». إلا أن كل تلك الأمور لم تعد قادرة على سدّ النقص الكبير في شق المستلزمات ولا سيما الإيصالات التي باتت مفقودة، كما أن وزارة المالية لم تعد قادرة على استكمال المعروف الذي بدأته، وترافق ذلك مع إضراب الموظفين بسبب عدم قدرتهم على الالتحاق بمراكز عملهم.
منتصف الشهر الماضي، وافق مجلس الوزراء على «مساهمة إضافية»، إلا أن مرسوم التنفيذ لم يصدر بعد، وهو ما يعيق الإجراءات اللاحقة بذلك، أي العمل على استدراج عروض الطباعة، والتي تقوم بها المصلحة عادة في مديرية الشؤون الجغرافية في مطبعة الجيش اللبناني.

المالية: أزمة ثلاثية الأبعاد
في وزارة المالية الوضع ليس أفضل. فهي لم تعد تملك فائضاً اليوم كي تصرف منه على مؤسساتٍ تلجأ إليها عند الحاجة بعدما دخلت نفق الإفلاس، وباتت أزمتها متشعّبة اليوم. وإذا كانت تحلّ بعض النواحي المتعلقة بالمستلزمات… بالتعطيل عن العمل أو التساهل في إتمام طلبات المواطنين، إلا أن هذه الحلول لا تنجح دائماً.
يمكن وصف الأزمة في المالية على الشكل التالي: إما أن هناك محروقات «بس مولّد الكهرباء عطلان»، وإما أن المولّد في نطاق الخدمة «بس ما في محروقات»، وإما أن هناك مولداً ومحروقات «بس ما في حبر للطابعة»، وإما أن كل تلك العناصر متوفرة ولكن لا ورق. في الآونة الأخيرة، باتت وزارة المالية أكثر تساهلاً في طلباتها للتخفيف من كمية استهلاك الأوراق، فعملت على «إعطاء الرقم المالي مثلاً على قصاصة ورقٍ مع طالب المعاملة أو تصويره عبر كاميرا الهاتف». مع ذلك، الأزمة لم تنته، لأن المعضلة الكبرى اليوم تكمن في غياب عقود الصيانة في كل شيء، وهو ما يوقف العمل في كثير من الأحيان.

وزارة الداخلية
لا تختلف الأحوال في مديرية الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات عن معظم مرافق الدولة، وتحديداً تلك التي تكون عادة على تماس مباشر مع المواطنين، إلا أنها «استفادت» بعض الشيء من «سلفة» الانتخابات النيابية، إذ استفادت من الوفر الذي حقّقته المديرية في «شغل الانتخابات» لتسيير المعاملات في دوائر وأقلام النفوس، إلا أن هذه السلفة، بالنسبة إلى خوري تبقى أقرب إلى جرعة التخدير منها إلى البحبوحة، خصوصاً أن لا استدراج عروض بسبب الأزمة البنيوية المتعلقة بالفارق في الأسعار بين الليرة والدولار. ولذلك، كان الاعتماد في فترة من الفترات على ما يقدّمه المتبرعون من مستلزمات، ومن كان يقدّم «المال مثلاً كنا نطلب منه أن يعطيه مباشرة لمطبعة الجيش اللبناني، حيث نطبع».

من جهة أخرى، تواجه المديرية في بطاقات الهوية الأزمة نفسها التي يواجهها الأمن العام في ما يخصّ استصدار جوازات السفر، لكون الشركة هي نفسها. ولئن كان خوري يطمئن بأن لا أزمة هذا العام، إلا أن بعد ذلك لا يمكن تقدير ما يمكن أن يكون عليه الموقف. مع ذلك، يشير إلى أن لجنة المال والموازنة وافقت على طلب 15 مليار ليرة لزوم طباعة بطاقات الهوية، ومن المفترض أن « هناك مستنداً في يدنا» للتفاوض مع الشركة.
هكذا، تسير الأمور في المديرية: خطوة خطوة. ولأجل ذلك، يضع العميد خوري «برنامج عمل» لأقلام النفوس يقوم على قاعدة «إعطاء كلّ قلم، كلّ أسبوع، على قدر ما استهلكه خلال الأسبوع الماضي»، يعني «حتى ما نكبّر فشختنا».