جاء في “نداء الوطن”:
من يراقب الخط البياني للمواقف اللبنانية الرسمية خلال الساعات الأخيرة، لا يجد صعوبة في رصد حجم ارتباك السلطة وعجزها عن اتخاذ موقف حازم في ملف ترسيم الحدود البحرية، وهو ما بدا انعكاساً واضحاً لارتباك “حزب الله” نفسه وعدم وجود قرار واضح لديه في كيفية مقاربة بدء إسرائيل عمليات استخراج الغاز من المياه الإقليمية، فكان الخيار الإبقاء على حالة “اللاقرار” في المرحلة الراهنة واستدراج الوسيط الأميركي للعودة إلى بيروت لمحاولة التوصل إلى أرضية مشتركة يمكن التأسيس عليها لاستئناف المفاوضات مع إٍسرائيل.
وعلى المقلب الآخر، بدت إسرائيل “واثقة” من استعداداتها لكل السيناريوات المحتملة مع إبداء ارتياحها إلى كون “الخلاف مع لبنان بشأن الغاز سيتم حله عبر الطرق الديبلوماسية بوساطة أميركية”، وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أنّ مبعث ارتياح المسؤولين الإسرائيليين مرده إلى تلقي تل أبيب “تطمينات” إيرانية عبر “طرف ثالث” بعدم وجود “أي نوايا تصعيدية من جانب “حزب الله” في جنوب لبنان في هذه المرحلة”.
ورأت المصادر في ضوء ذلك أنّ حالة “الستاتيكو” ستبقى هي الطاغية على أجواء الجبهة الجنوبية حتى إشعار آخر، مع ضرورة الإبقاء في الوقت عينه على “مستويات مرتفعة من الترقب والحذر تحسباً لوصول المعطيات المحيطة بمفاوضات فيينا إلى نقطة حرجة تحتم على الإيرانيين قلب المعادلة بشكل دراماتيكي قد ينتج عنه اتخاذ قرار بتفجير الأوضاع على الجبهات المحيطة بإسرائيل سواءً في غزة أو لبنان”.
وبالانتظار، خلص لبنان الرسمي إلى دعوة الوسيط الأميركي أموس هوكستاين للحضور إلى بيروت “والعمل على إنهاء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في أسرع وقت ممكن لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار التي تعيشها المنطقة”، حسبما عبّر البيان الصادر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إثر التشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون حيال الخطوات الواجب اتخاذها في مواجهة التطورات البحرية في المنطقة المتنازع عليها مع إٍسرائيل، بينما استعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري المبادرة في ملف الترسيم في ضوء تكليف عون نائب رئيس المجلس الياس بو صعب ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب التنسيق مع بري في مستجدات الملف.
وإذ لخص بو حبيب الموقف من عين التينة بعبارة: “لا نريد أن نعمل حرباً ويجب أن نعرف ماذا سيفعل الأميركيون”، تولى بو صعب مهمة التواصل مع هوكستاين داعياً إياه “لزيارة لبنان بالسرعة الممكنة”، من دون أن يتلقى “أي وعد أو موعد بشأن توقيت الزيارة”، وفق ما أكدت مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ “الوسيط الأميركي يحمّل السلطة اللبنانية مسؤولية مباشرة في ما وصلت إليه الأمور نتيجة التلكؤ في اتخاذ المبادرة وعدم التجاوب مع الطرح الذي قدمه في زيارته الأخيرة”، مذكرةً في هذا الإطار بأنّ “الجانب اللبناني لم يرسل لغاية الساعة أي جواب خطي على طرح هوكستاين واكتفى الرؤساء الثلاثة بإصدار بيان مبهم إثر لقائهم في قصر بعبدا للتداول في الرد اللبناني على هذا الطرح”.
وفي خضم حالة التخبط السائدة بين أركان الحكم، برزت خلال الساعات الأخيرة سلسلة تصريحات ومواقف وضعت عون “في قفص الإتهام نتيجة تعمده التفريط بحقوق لبنان وثروته النفطية لتحقيق مآرب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في مقايضة الموقف من الترسيم البحري مع رفع العقوبات الأميركية عنه”، ورأت أوساط سياسية معارضة أنّ بدء إسرائيل بشكل أحادي في عملية استخراج الغاز من البحر “حشر باسيل الذي كان يعوّل على عنصر استنزاف الوقت بانتظار رفع العقوبات تلقائياً عنه في نهاية آب المقبل، الأمر الذي قد يدفعه إلى اللجوء راهناً إلى فتح جبهات سياسية جانبية لتمرير الوقت ريثما تتضح نوايا الإدارة الأميركية تجاهه قبل الإقدام على اعتماد الخط 23 أو الخط 29 للحدود البحرية اللبنانية”.
وفي المقابل، ارتفع منسوب الضغط على رئاسة الجمهورية والحكومة للمسارعة إلى تدارك الموقف وتوقيع مرسوم تعديل المرسوم 6433 وحفظ حقوق لبنان البحرية في مواجهة القرصنة الإسرائيلية، سيّما وأنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي شدد أمس على أنّ “التطورات الأخيرة ومحاولة إسرائيل البدء في استخراج الغاز والنفط من الحقول المتنازع عليها مع لبنان يحتم على السلطة اللبنانية استئناف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية وتثبيت الحدود البرية من دون تنازلات ومزايدات”، مؤكداً أنّ “حفظ حقوق لبنان في هذه الثروة السيادية واجب سيادي لا مجال للمساومة عليه وتحويله مادة سجال سياسي وطائفي”.
وتوازياً، دعا نواب قوى التغيير السلطة التنفيذية “فوراً ومن دون إبطاء” الى تعديل المرسوم وفق مقترحات قيادة الجيش اللبناني واعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23 “المحدد إعتباطاً ومن دون أي سند قانوني” بحسب تعبير النائب ملحم خلف خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في مجلس النواب وتحدث فيه باسم نواب التغيير، منبهاً إلى أنّ “إمتناع السلطة التنفيذية عن القيام بواجباتها تجاه هذه القضية المصيرية يضعها تحت مجهر المساءلة”، مع التحذير من أنّه في حال استمرار السلطة التنفيذية بالتقاعس فإن الاتجاه هو نحو تقديم “إقتراح قانون معجل مكرر لتعديل القانون رقم 163 بغية إعتماد الخط 29 كخط رسمي لتحديد الحدود الجنوبية للمناطق البحرية اللبنانية”، كما دعا نواب التغيير اللنبانيين إلى “وقفة تضامنية” في الناقورة بعد قاعدة اليونيفل عصر السبت المقبل للمطالبة باعتماد الخط 29 “تكريساً لحقوقنا الوطنية”.