كتبت ندى أيّوب في “الأخبار”:
يعاني المنفذ الجوي الوحيد للبنان من مشكلاتٍ بنيوية تراكمت على مدى سنوات. قدرته الاستيعابية تقلصت بفعل الإهمال والتقصير في الصيانة والتطوير. التغذية بالتيار الكهربائي من مؤسسة كهرباء لبنان شبه منعدمة، أما المصادر الأخرى فباتت منهكة، وهذا ما ينعكس سلباً على ساعات التكييف. إدارة التشغيل في المطار مهترئة بفعل غياب العديد اللازم من عناصر مدنية وعسكرية. هؤلاء لا تكفيهم رواتبهم لتغطية كلفة الانتقال إلى مراكز عملهم. وفوق كل ذلك تأتي مشكلة التمويل للصيانة والتشغيل التي لم تعد تكفي للحدّ الأدنى.
يأتي كل ذلك فيما يعوّل لبنان على استقبال أكثر من مليون زائر في صيف 2022. العيون شاخصة إلى هذا الموسم في انتظار ما سيدخله إلى البلد من دولاراتٍ تنعش، ولو مرحلياً، بعض قطاعاته. وهذا الموسم أيضاً يأتي بعد عامين من ركود حركة الطيران والسفر في ظل جائحة «كورونا»، ما يعني أن الوضع في المطار سيكون عبارة عن فوضى.
ملامح الموسم الصيفي بدأت تظهر في أيار الماضي حين استقبل مطار بيروت الدولي نحو 250 ألف راكب بين قادم ومغادر. ويتوقّع أن يرتفع العدد بمعدل 20% ليبلغ نحو 300 ألف راكب نهاية الشهر الجاري، و400 ألف في كل من تموز وآب. وكمعدّل يومي، سيدخل إلى المطار بين 10 آلاف راكب يومياً و12 ألفاً. وبحسب مدير المطار فادي الحسن، فإن هذا الرقم لا يفوق قدرة المطار الاستيعابية، مذكّراً بأنه في عام 2019 تجاوزت حركة الطيران والمسافرين الأرقام المتوقّعة لهذا العام.
لكن في 2019 اتّسمت رحلات المسافرين بالمعاناة بسبب مشكلات تفاقمت بدلاً من أن تحل. تأمين الكهرباء مثلاً، سيعتمد على ثلاثة طرق وفق وزير الأشغال علي حمية: «مؤسسة كهرباء لبنان، الطاقة الكهرومائية والاستعانة بمولدات الكهرباء الخاصة لحالات الطوارئ». يرى حمية أن «لا مشكلة على صعيد الطاقة بما أن التعاون مع وزارة الطاقة جارٍ لتجنيب المطار حالة انقطاع شامل في الكهرباء أو ما يعرف بـ black out». لكن عدم ثبات موجات الطاقة الكهرومائية يعيق إمكانية تشغيل أجهزة التكييف نظراً لخطر تعطّلها، كما أن تقنين التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان إلى حد يصل إلى 24 ساعة أحياناً، أدّى إلى إرهاق المولّدات المخصّصة في الأصل لحالات الطوارئ، وليست للتغطية اليومية لساعات القطع المستمرة، عدا عن المعاناة على صعيد تأمين مادة المازوت التي يتسارع ارتفاع سعرها ويرفع معه كلفة التشغيل أضعافاً.
في إحدى جلساتها الأخيرة قبل أن يتحوّل عمل الحكومة إلى تصريف أعمال، وافقت على منح وزارة الأشغال العامة والنقل مبلغ 10 ملايين دولار من أصل 93 مليوناً طالب بها حمية لتنفيذ أعمال صيانة في مطار بيروت. المبلغ الذي لا يتجاوز 11% من حاجة المطار الفعلية سيخصصه الوزير وفق الأولويات لصيانة الهبوط الآلي، ولتأمين سلامة الطيران، ولإعادة تأهيل جرارات الحقائب. أما على صعيد التوسعة فيشير حميّة إلى أنه سيطلق في غضون شهر، عبر إدارة المناقصات، مناقصة دولية قيمتها نحو 70 مليون دولار لبناء قاعة ركاب جديدة تخصص للرحلات الجوية المستأجرة ومنخفضة الكلفة، وكذلك للحجاج، ينفّذها القطاع الخاص و«من حرّ ماله»، على أن يتقاسم والدولة اللبنانية جزءاً من الأرباح. أي عبر التشركة مع القطاع الخاص – العبارة التي تستعمل للتخفيف من وطأة كلمة الخصخصة.
«الأمور تحتاج إلى متابعة يومية وهذا ما سنفعله لتذليل العقبات» يجزم حمية، شاكراً موظفي المديرية العامة للطيران المدني في مختلف مراكزهم على «العمل الدؤوب ونشاطهم»، ما يفتح الباب أمام سؤال حول واقع حضور هؤلاء إلى مراكز عملهم ومدى انتظامهم في ضوء ارتفاع كلفة بدل النقل، وتدني قيمة رواتبهم شأنهم شأن بقية موظفي القطاع العام. هؤلاء رفعوا الصوت أخيراً، إذ أعلنت وحدة المصالح الفنية في المطار عن تعليق للحركة الجوية في فترة المساء، مطالبة بالنظر برواتب العاملين فيها. وبعد اجتماعاتٍ مع المعنيين أرجئ التحرّك بناء لوعود بالعمل على صيغة محددة تؤمن مردوداً إضافياً لهم. يفرض ذلك تحدياً على إدارة المطار حول قدرتها على تحقيق الانتظام وتأمين الحقوق. وعن ذلك يقول الحسن: «التشغيل يقع على عاتق 240 موظفاً من أصل 900 في مديرية الطيران المدني. يتحملون عبئاً جسدياً ومالياً يفوق قدرتهم. ومع ذلك تمنينا عليهم الاستمرار في العمل». العاملون في الأسلاك الأمنية الذين يستلمون نقاط التفتيش وتختيم جوازات السفر ليسوا بحالٍ أفضل، ولفت قائد جهاز أمن المطار نبيل عبدالله النظر إلى ضرورة زيادة عديدهم كشرطٍ للاستمرارية.