يعدّ اللبنانيون الأيام التي تفصلهم عن نهاية عهد الرئيس ميشال عون بفارغ الصبر، يحصون الأيام والساعات والدقائق والثواني لبلوغ اليوم المنتظر في 31 تشرين الأول المقبل.
وإذا كانت مسافة الأربعة أشهر ونصف الشهر باتت قصيرة بالمسافة الزمنية، إلا أن المدة المتبقية من عمر العهد من المرجّح أن تكون كارثية نظراً الى اعتبارات عدة، أهمها:
ـ أولاً، إصرار رئيس الجمهورية على محاولة توريث صهره النائب جبران باسيل إن لم يكن رئاسة الجمهورية فعلي الأقل محاولة توريثه القدرة على التحكّم بمفاصل أساسية من البلد والمؤسسات في فترة الفراغ الرئاسي المنتظر.
ـ ثانياً، محاولة عرقلة تشكيل أي حكومة جديدة ما لم تؤمّن كل حصص باسيل ومصالحه، بدءًا بالحقائب الوزارية وليس انتهاءً بمحاولة فرض الشروط المسبقة على أي رئيس مكلف كمثل اشتراط الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جوزف عون لتعيين بديلين لهما يكونان مطواعين بيد باسيل ليتمكن من التحكم بالمال والأمن.
ـ ثالثاً، رفض إجراء أي إصلاح يمسّ بالمصالح الضيقة لمجموعة العهد والمنظومة، ما يعني الإمعان في الانهيار وتوقّع الأسوأ في ظل الفراغ المنتظر حكومياً ورئاسياً، وسط أزمات عالمية تبدأ بالحروب ولا تنتهي بأزمتي الغذاء والاقتصاد العالميين والخوف من مجاعة.
ـ رابعاً، التخوّف من نظريات رفض تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال وفق النظريات التي كان أعدها مستشارون رئاسيون بهدف التسويق لبقاء رئيس الجمهورية في قصر بعبدا حتى إشعار آخر، وهو رغم نفيه رسمياً إلا أنه يبقى مصدر قلق لأكثرية اللبنانيين بفعل الشبق المعهود لدى الفريق العوني.
ـ خامساً، الخوف من انفلات الوضع إقليمياً وتدحرج الأمور نحو الأسوأ، أي نحو حروب ومواجهات تستكمل الحرب الروسية في أوكرانيا لتشمل النووي الإيراني بما يفتح كل جبهات المنطقة وسط عجز لبناني عن تأمين الغذاء والاستشفاء في مثل هكذا اوضاع لا سمح الله.
كل ما تقدّم يعمّق الواقع المرّ الذي تسبّب به العهد الحالي المُسمّى “عهد جهنم”، والذي لا يبدو أنه سينتهي على خير في ظل كثرة الاستحقاقات وتعدد الطموحات الشخصية لدى أركان العهد الأساسيين.
في الانتظار تتمثل المعضلة الأساس في انتظار الاتفاق على تسوية رئاسية تمهّد لوصول رئيس جديد يشكل انتخابه انطلاقاً لمسيرة إنقاذ لبنان وإخراجه من جهنم. ولا تبدو هذه التسوية قريبة حتى الساعة في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية والداخلية أيضاً، في ظل جموح حليفي “حزب الله” جبران باسيل وسليمان فرنجية وسعي كل منهما للوصول إلى قصر بعبدا إنطلاقاً من نيل دعم الحزب ورضاه.
وعلى هذا الصعيد يؤكد العارفون أن حظوظ باسيل باتت شبه معدومة في ظل العقوبات الأميركية عليه كما بسبب تراجع شعبيته بشكل كبير في الانتخابات النيابية الأخيرة وعدم قدرته على التواصل مع اكثرية الأطراف داخلياً وخارجياً. كما ان حظوظ فرنجية تراجعت بشكل دراماتيكي بعد فشل تياره في الانتخابات الأخيرة وتعبيره بأنه “زمطنا بريشنا” على قاعدة قدرته على إيصال نجله النائب طوني فرنجية حصراً إلى مجلس النواب.
ويبقى المرشح الأبرز من خلف الكواليس قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لا يسعى إلى الرئاسة بالمعنى التقليدي “زحفاً زحفاً نحو بعبدا”، لكن المعطيات والوقائع قد تجعل منه المرشح الأوحد القادر على قيادة الإنقاذ في هذه المرحلة… فهل يسهّل “حزب الله” العملية الانتقالية بالانتخابات الرئاسية في موعدها أم يكرر السعي لتعطيل البلد وشلّه سعياً لإيصال مرشح مطواع وتكرار سيناريو العهد العوني؟!