كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
يبدو أن طريق الوصول إلى نهاية مرحلة الدعم قد اقتربت، مع التخفّف من أصناف الأدوية التي تقع ضمن الشرائح الثلاث (A1 وA2 وB) في كل مرّة يصدر فيها مؤشر تسعير الأدوية.
هذه المرة، حلّت «القرعة» على أدوية الأمراض العصبية، بعدما تبلّغت معظم مكاتب شركات الأدوية رفع الدعم عن أصناف الأدوية التي تستوردها، فيما أُبقي على صنف واحد أو صنفين من كلّ دواء، على خطى ما كانت قد فعلته الوزارة بأدوية الأمراض السرطانية التي تقع ضمن الشريحتين A1 وA2. هذا يعني عملياً أن الخلاص من هاتين الشريحتين بات قاب قوسين أو أدنى، على أن تنتقل الوزارة إلى الشريحة الأخيرة B وهي تلك التي تأتي ضمنها الأدوية الباهظة الثمن والسرطانية. فهل تفعلها؟
أواخر الأسبوع الماضي، تبلّغت مجموعة من مكاتب شركات الأدوية من وزارة الصحة العامة رفع الدعم عن أدوية الأعصاب (مضادات الاكتئاب والسكيزوفرينيا….) التي تقع ضمن الشريحتين A1و A2، قبل أن تتبلّغ ثانية… بردّ التبليغ الأوّل إلى الوزارة. في البداية، ظنّ هؤلاء أن ثمة خطأ في مكان ما، إلا أن هذا التكهّن سرعان ما تخبّر مع التأكيد على أن «المعلومة دقيقة» ومن المتوقع أن تصبح رسمية مع صدور المؤشر المقبل.
إذاً، هي مسألة وقتٍ فقط، وتصبح بعدها هذه الأدوية خارج آلية الدعم. وبالتلازم، تسقط القرارات الخاصة التي كانت قد وضعتها الوزارة والتي ضمنت من خلالها إبقاء الدعم على تلك الأدوية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر القرار رقم 1397/1 الصادر في تشرين الثاني من العام الماضي. ومن الناحية الأخرى، تبقي الوزارة على دعم محدود جداً لأصناف من الأدوية، جلّها مصنّعة محلياً، ضمن دائرة الدعم بنسبٍ معينة وعبر دعم الدواء الأرخص ثمناً من كل فئة علاجية. وهو ما انتقده عدد من ممثلي مكاتب شركات الأدوية، مشيرين إلى أن التبليغات التي تلقوها برفع الدعم عن غالب أصناف أدوية الأمراض العصبية «لم تلحظ في اختياراتها الأسعار الأدنى». وتشير إحدى ممثلات الشركات إلى أن «أحد أدوية الاكتئاب الذي توزّعه الشركة هو الأرخص بين مجمل الأدوية من التركيبة الكيميائية نفسها، إلا أن الدعم رفع عنه». ويشبه هذا التوجه ما كانت قد اتخذته الوزارة في ما يخصّ الأدوية المخدّرة و«إبر» المستشفيات، حيث رفعت الدعم عن مجمل الأدوية المستوردة منها، فيما أبقت على «المنتج المحلي».
قد يكون هذا التوجّه متوقعاً مع المسار الذي انتهجته وزارة الصحة أخيراً، حيث دأبت منذ فترة على استباق صدور المؤشر بلائحة أدوية مخفّفة من الدعم، حيث يتلقى المواطن الضربة على دفعات. وهي تدرك ما تفعله، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الصدمة التي يتلقاها المرضى يتلقفونها في الغالب بـ«المفرّق» وليس كما كان يحدث سابقاً. وهكذا، تتصرّف الوزارة في ملف الدواء… كمن يدسّ السمّ في العسل.
المشكلة هنا ليست في الوصول إلى نهاية الدعم، وهو ما بات متوقّعاً، وإنما في ما تستنسبه الوزارة وما تبقيه مدعوماً، حيث أن هذه الآلية لا تحل أزمة فقدان الدواء بقدر ما تعقّدها. ففي الغالب، عندما ترفع الوزارة الدعم عن مجموعة من أصناف الأدوية، تبقي دعماً محدوداً على صنف واحد منها أو صنفين… غالباً ما تفقد من السوق. أما تفسير هذا الأمر، فيكمن في العودة إلى آلية الموافقات المسبقة.
وفي هذا السياق، تشير ممثلة إحدى مكاتب شركات الأدوية إلى أنه «لم نعد نحصل على موافقات مسبقة عن الأدوية التي تبقى مدعومة. حتى لو استطعنا الحصول على موافقة من وزارة الصحة العامة، إلا أننا لم نعد نستطيع الحصول على موافقة من مصرف لبنان لتسيير المعاملة وإجبار الشركات العالمية على إرسال شحنات لنا، وكذلك حتى عندما يعطي المصرف الموافقات، فلم تعد الآلية تسير بسرعة بحيث بات يستغرق وصول الدواء أشهراً». أضف إلى ذلك أن «معظم الشركات العالمية لم تعد مستعدة لإرسال أدوية إلى لبنان قبل تسديد ديونها».
واليوم، في ظل كل هذه الآلية المتآكلة، «ليس هناك من أحدٍ مستعدّ للمخاطرة بجلب الأدوية المدعومة». ويمكن العودة إلى رفع الدعم عن «أدوية المخدّر التي تستعمل في المستشفيات، فعلى سبيل المثال رفع الدعم عن ثلاثة أصناف من التركيبة الكيميائية سيفوفلوران والتي تستخدم في التخدير الكلي في العمليات، فيما أبقي على صنف واحد منه مدعوم، والمفارقة هنا أن الأخير فقد من السوق».
اليوم، باتت المعادلة على الشكل التالي: الأصناف التي يرُفع عنها الدعم تصبح أسعارها بلا سقف، خاضعة لعرض الدولار وطلبه، فيما الأصناف المدعومة مفقودة. أما ماذا يعني ذلك؟ أن لا دواء بالمطلق، وإن وجد، فقد بات على المريض دفع ثمنه بالدولار الأميركي أو ما يعادله لكونه خرج من حلقة الدعم.
في تتمّة حكاية الدعم، ثمة جانب لا يقل أهمية هنا ويتعلّق بأسعار الأدوية الوطنية التي تحوّل الدعم نحوها، إذ إن أسعار الكثير من الأصناف المحلية الصنع ــــ مع الدعم ـــ تفوق في غالب الأحيان الأصناف المستوردة الشبيهة، والسؤال هنا: كيف تقررت آلية الدعم؟ أما السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية: هل تستطيع هذه الصناعة كفاية السوق المحلية، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أنها تصدّر أيضاً إلى الخارج؟ هذان السؤالان اليوم في رسم وزارة الصحة العامة.