IMLebanon

الخطيب: للمسارعة في تشكيل الحكومة وتعزيز الوحدة الداخلية

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “قال تعالى في كتابه العزيز (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم  واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين ) هود، 116. الفساد آفة اخلاقية انسانية لا تختص بالافراد، وانما تتعداها للمجتمعات ايضا كما انها لا تختص بزمان او مكان دون آخر بل هي من الامراض التي تخترق الزمان والمكان والشعوب والمجتمعات على اختلافها وتلازم الحياة البشرية وهو ايضا من العناصر التكوينية الكامنة في الخلق البشري كما هو عنصر الصلاح على مستوى الاستعداد كما هو حال القوى الكامنة في تكوين الانسان الذي بيده تنميتها واخراجها من عالم القوة الى عالم الفعلية كما يقول المناطقة حتى يستقيم الاختبار الالهي ويكون الانسان مسؤولا عن اعماله وافعاله امامه (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون ) المؤمنون، 115 (وما خلقنا السموات والارض وما بينهما لاعبين ) الانبياء، 116. وهذا يرجع الى فلسفة الوجود وان الله سبحانه خلقه لغاية المعرفة والاعتراف بعظمة الخالق والسير في خط التكامل الانساني بحرية واختيار كاملين كما تشير الى ذلك سورة الكافرون ( قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين )”.

اضاف: “فالصلاح والفساد في الآية، وان كان حول صلاح العقيدة وفسادها، ولكنه ليس مختصا بها وانما تناولها من باب انها الاساس في الصلاح والفساد العام، وان العقيدة ان صلحت صلح ما عداها وان فسدت فسد ما سواها لانها الاساس كما هو اساس البناء فإن قام على اسس هندسية صحيحة ومن مواد صالحة  كان البناء صالحا ومتينا والا فانه سرعان ما ينهار ويقع الى آخر ما يمكن ان ينتج عنه من خسائر بشرية ومادية وهكذا الحياة الانسانية فردية او مجتمعية التي تصلح ان قامت على اسس صالحة وتفسد ان قامت على أسس فاسدة، ولا اعتقد ان هناك من يخالف في ذلك أيا كان اعتقاده ومذهبه الفكري، ولكن الاختلاف وقع في التفاصيل ولذلك وجدت مذاهب متعددة لحل هذه المسألة التي تحولت الى معضلة فكرية بل احجية دفعت البشرية اثمانا كبيرة في مسيرتها نتيجة التجارب التي خاضتها على  مدى التاريخ الانساني على هدي هذه المذاهب الفكرية، وكانت نتيجتها الفشل الذريع في الوصول الى نهاية لهذه المأساة المتجددة والمتعاظمة مع كل نظرية جديدة يبتدعها او يجترها الفلاسفة او علماء الاجتماع، وهذا الفشل الذي انتهت اليه هذه التجارب على ضوء هذه النظريات يفسر انها اخطأت في تشخيص عناصر الخلل في البناء الاجتماعي وبالتالي عناصر الاصلاح التي يجب التركيز عليها للخروج من حالة المراوحة التي تقف عندها التجارب الانسانية  وتدفع ثمنها غاليا المجتمعات البشرية”.

وتابع: “لا نخترع جديدا في هذا التوصيف فما يعيشه المجتمع الانساني من مشاكل وهموم تبدأ بفقدان العدالة ولا تنتهي بفقدان الامن والاستقرار بفعل الجشع وحب الاستحواذ وطلب النفوذ للقوى التي تمتلك مقدرات الهيمنة لفرض ارادتها واستفرادها بالقرار على المستوى الدولي والتي تمظهرت بحروب دولية كبرى ادت الى فجائع وكوارث على المستوى الانساني والمادي لا تحصى سواء بعدد القتلى او الدمار المادي للمجمعات السكانية او على المستوى الاقتصادي وخصوصا في القرن الماضي حيث وقعت حربان عالميتان ما زالت اثارهما ماثلة حتى هذه الأيام، وتلاهما حروب اخرى لا تقل فظاعة في نتائجها، وتبقى القضية الفلسطينية وما تعرض له شعبها أكبر شاهد على هذا التاريخ، ونشهد اليوم واحدة من أخطرها يحذر الباحثون الاستراتيجيون من تحولها الى حرب كونية بدأ العالم يشعر بآثارها الكارثية على مستوى الامن الغذائي العالمي عدا عن تأثر الشركات الصناعية الكبرى وما يسببه من تأثير على الحياة العامة”

واشار الى انه “صار واضحا من خلال هذا العرض ان المشكلة تكمن في الفلسفات الاجتماعية  المادية الغربية والشرقية على السواء التي مهدت الطريق فكريا للأنظمة الدولية الحاكمة واطلقت العنان للفوضى الغرائزية وما اطلقت عليه زورا الحرية الفردية في الحصول على الغاية من الاشباع الغرائزي ناسفة كل القيم الاخلاقية غير معترفة بها، معتبرة اياها تقييدا لحرية الانسان وانتهاكا لحقوقه الطبيعية واتاحت بناء على هذه الفلسفة الحيوانية غير الانسانية وخلطا للمفاهيم اتاحت له ارتكاب الخطايا الاخلاقية بحق القيم الانسانية الفطرية من الزنا باسم المصاحبة مشرعة فاحشة اللواط والسحاق مرتكزة في ذلك على ان كل امر يتحول الى ظاهرة اجتماعية ويصبح مطلبا لفئة من المجتمع يستحق التشريع”.

وقال: “بدا الامر اشد خطورة مع اتساع الهيمنة الثقافية بفعل الهيمنة الاستعمارية ولو غير المباشرة مستخدمة البعثات والمراكز الثقافية والتبشيرية التي تسوق لهذه الفلسفات الانحرافية والتخريبية التي كانت مجتمعاتنا العربية والاسلامية سالمة منها بهدف تخريبها وابعادها عن ثقافتها الاخلاقية النابعة من انتمائها الديني والحاقها بها وسلخها عن تاريخها وثقافتها الذي يشكل مصدر غناها وقوتها، كما اعترف قادة اعدائها واعلنوا الاستعداد لانتزاع مصدر قوتها من بين ايديها وباشروا تشويهها في نظر اجيالها القادمة الذين يمثلون اهم كنوزها  يعملون لخدمة اعدائها دون دراية منهم باعتناق الثقافة التي لقنوها في مدارس الارساليات والمراكز الثقافية وعبر الافلام والمسلسلات التلفزيونية والمحاضرات الجامعية التي تعمل على التلاعب بالمفاهيم وتشكيك الطلاب بعقائدهم الدينية حتى يفتقدوا المناعة الفكرية اللازمة في مواجهة هذه الحرب التي لا تقل ضراوة وسوء في نتائجها عن الحروب العسكرية والاقتصادية لانها تشبه خلع السلاح من الجندي وهو في ساحة الحرب والمواجهة”.

اضاف: “وبالعودة الى الحديث عن الاسباب الحقيقية  لما شهدته البشرية من مآس، فقد قلنا ان الجواب واضح مما سقناه من استعراض للتجارب البشرية القائمة على الفلسفات المادية التي لم تكن سوى استنساخ للحياة الحيوانية ولم تكن قط استجابة للحاجات المعنوية وانما ايضا واجهتها بحرب شرسة استخدمت فيها كل الوسائل التي تملكها الفكرية وفرضتها بالادوات التي امتلكتها بقوة الهيمنة والتجهيل وسخرت لها الامكانات الهائلة التي تمتلكها. اذا، فالخلل الذي اخطأت الفلسفات المادية في تشخيصه، يكمن في داخل هذه النظريات الغربية كما يفسره فشلها المتكرر في حل المشكلة الانسانية وايصالها الى الغاية المنشودة من الامن والاستقرار وتوزيع الثروة بشكل عادل وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولقد اكدت الديانات الالهية وخصوصا النصوص القرآنية اهمية القيم الاخلاقية القائمة على الايمان في خلاص البشرية وتحقيق امالها في حياة سعيدة ومستقرة”.

وتابع: “قال تعالى (ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لانزلنا عليهم بركات من السماء ولاكلوا من بين ايدهم وارجلهم ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) الاعراف، 96. وليست التقوى سوى الالتزام بالمعايير الاخلاقية التي هي وعاء الاحكام كما ورد في الحديث عن ائمة اهل البيت.  والآية المباركة كما حددت ان حل الاشكالية البشرية في الحصول على الاستقرار الاجتماعي والعيش الهانئ والرغيد والخير الوفير يكون من خلال توفر عنصري الايمان والتقوى الذي يمثل الالتزام الاخلاقي بالقيم الالهية، كذلك فإنها حددت ايضا ان الحرمان  هو نتيجة حتمية للتخلي عن هذه القيم والسير في طريق الفساد واتباع الشهوات التي تمثل السلاح الشيطاني العدو للإنسان الذي يغري الانسان بها ويدفعه انتقاما منه للسير في طريق الهلاك ( ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ).

والاخذ هو تعبير عن العذاب الذي هو في الدنيا تسلط الظالمين وفقدان العدالة والاستقرار وفقدان الخير وشيوع الفقر والشعور بالذلة والحقارة. ومن هنا جاء الارشاد الالهي رحمة بنا وبمجتمعنا بالاهتمام بهذا الجانب ومواجهة الفساد ومحاربته والوقوف بوجهه وتحصين ابنائنا من الانجراف في طريق الفساد وتربيتهم على التخلق بأخلاق الانبياء وائمة اهل البيت وبيان مخاطر الانحراف على حياتهم في الدنيا والآخرة”.

وقال: “ان الاهل واساتذة المدارس والمربين والمهتمين بالدراسات والبحوث التربوية والاجتماعية والنفسية مدعوون جميعا للقيام بواجبهم  في مواجهة عوامل انتشار الفساد المستشري والخطير، كما ان ائمة المساجد وخطباء المنبر الحسيني مدعوون الى التركيز في خطبهم وكلماتهم على هذا الجانب وتوجيه  المؤمنين  بالاهتمام  بابنائهم وايلائهم الاهتمام اللازم بهم وتعليمهم وتربيتهم والتعرف على من يخالطون فإن ذلك من حقهم عليهم، فهم اهم ما يملكونه في حياتهم واهم من كل اهتماماتهم مهما كانت ضرورية، فإن ترك ذلك يعني تركهم لحالهم ولهمومهم ومن سيدلهم حينئذ ويرشدهم وينبههم ويحذرهم من سلوك طريق السوء ورفاق السوء ويوقع بهم ويجرهم الى ارتكاب المحذورات كالمخدرات والوقوع تحت ايدي تجار المحرمات وعصابات احتراف القتل والاجرام. كما ادعوكم الى عدم انتظار الناس تأتي اليكم بل بادروهم وليكن ذلك بشكل جماعي حتى تكون الكلمة أفعل واقصدوا المبتلين بهذه الآفات لإصلاحهم وارجاعهم الى طريق الرشاد، كما ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الضال والدعوة الى الهدى وبيان عاقبة التقوى وعاقبة الفساد لا يقتصر على فئة واحدة، بل هو واجب كل قادر على ذلك فإن التخلف عن القيام بهذه الوظيفة الالهية عرضة لغضب الله وانتقامه في الدنيا والآخرة ،نعوذ بالله من ذلك وقد وصف الله تعالى هؤلاء بالمجرمين كما ورد في الآية المباركة التي تلوناها في بداية هذه الكلمة( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين )”.

وتابع: “حذار من اليأس امام ما يظهر من قوة عوامل الفساد ومن يقف وراءها وادواتها فان الله تعالى قال ان كيد الشيطان كان ضعيفا. وكما راينا بأم أعيننا كيف كان كيده ضعيفا في ساحة المواجهة العسكرية راي العين  وان المعيار الالهي للنصر ليس القوة والعوامل المادية وان كان الاعداد لها مهما، ولكن قوة الحق التي هي قوة الله اقوى واعظم ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة  فاتقوا الله لعلكم تشكرون). ال عمران،123 ( … ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز ) سورة الحج”.

وقال: “لقد كان الحق وكلمة الحق كل ما يملكه النبيون والمخلصون الذين واجهوا بها قوى الضلال والافساد الذين امتلكوا الكثير من القوى المادية، ولكن النصر كان نصيب اهل الحق ومن التزم طريق الحق والهدى (واستقم كما امرت ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيله )، ويقف على رأس هؤلاء الذين ينشرون الفساد في الارض اليهود الصهاينة، الذين لا يقتصر خطرهم على التهديد العسكري واعتداءاتهم واحتلالاتهم واغتصابهم للأرض وممارساتهم الاجرامية للقتل كما فعلوا ويفعلون مع الشعب الفلسطيني المظلوم وكما فعلوا ويفعلون مع لبنان واللبنانيين من المجازر واحتلال الارض وممارسة الارهاب وصناعته بتشكيل العصابات المأجورة وصناعة الفتن المتنقلة ومنع لبنان من الاستفادة من خيراته وحصاره بالتعاون مع القوى الحليفة والداعمة له، بل تعدى فسادهم الى نشر الفساد الفكري والاخلاقي في العالم وهم يخترقون مجتمعاتنا بشكل شيطاني كما يجري الدم في العروق، فكان لزاما مواجهتهم في هذا الميدان كما في ساحات القتال”، مؤكدا “ان علينا ان نخوض هذه المعركة جميعا كما نخوض المعركة العسكرية وان نحشد لها ما لدينا من امكانات فكرية وتربوية وعبر الجمعيات والندوات وكل وسائل التأثير”.

اضاف: “لا بد لنا من التنويه بوحدة الموقف الرسمي اللبناني في معركة الدفاع عن ثروة لبنان البحرية وانتزاع حقه في استغلالها لصالح الشعب اللبناني الذي يمتلك قوة الحق  تقف وراءه قوة وحدة الموقف الشعبي وقوة المقاومة والجيش اللبناني، واجبار هذه  الافعى على الانكفاء  التي تسللت في عتمة ليل اللبنانيين المنشغلين عنها بانقساماتهم  بانتظار الفرصة المؤاتية لافتراسهم، كما لا بد، حماية للبنان واللبنانيين من استكمال هذه الخطوة وتدعيمها بالمسارعة الى تشكيل الحكومة وتعزيز الوحدة الداخلية وتخفيف معاناة المواطنين وعدم تركهم لشأنهم فلا يمكن تصور المشهد الكارثي الذي يمكن ان تنتهي اليه الامور عند التخلي عن القيام بهذا الواجب الوطني”.

وتابع: “ونحن نشهد بعضا من صور العنف التي تحصل للأسف وينتج عنها ضحايا أبرياء، فإننا نناشد العقلاء والمصلحين العاملين في الحقل الاجتماعي والمؤثرين السعي لتطويق تداعياتها وحصرها والمنع من تفلت الامور الى ما لا يحمد عقباه ولنا كل الثقة بوعي اهلنا والعض على الجراح والتحلي بالوعي اللازم والالتزام بحدود الله تعالى وعدم تعديها وايكال الامور للقضاء وعدم الاندفاع وراء الغرائز، ونحيي الجيش اللبناني والقوى الامنية والعسكرية واهل الغيرة في تطويق هذه الاحداث الأليمة.  ( يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحييكم ) سورة الانفال، 24”.