كتب منير الربيع في “المدن”:
يطغى غياب الجدّية، والسذاجة على ملف اختيار اسم جديد لتكليفه برئاسة الحكومة. منذ أيام يتكثف رمي الأسماء في الهواء من كل حدب وصوب. في مؤشرات تنعدم معها المسؤولية في مقاربة مثل هذا الإستحقاق. عدم الإتفاق على إسم جدّي بديل، يُبقي نجيب ميقاتي في خانة الأوفر حظاً، نظراً لتقاطع فرنسي مع “حزب الله” و”حركة أمل” وقوى أخرى لا تزال تؤيد وصوله. في المقابل، تتكثف الاجتماعات واللقاءات بين كتل نيابية أخرى كالقوات اللبنانية، اللقاء الديمقراطي وبعض المستقلين للبحث عن إمكانية التوافق على ترشيح اسم بديل. بينما التغييريون منقسمون على ذاتهم.
بازار باسيل
يتعاطى بعضهم مع هذا الإستحقاق وكأنه بازار مفتوح. طرح كمّ كبير من الأسماء يدل إلى حالة انهيار تتوزع مسؤولياته على مجموعة قوى، أولها على الصعيد السني. وثانيها ممارسات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
فباسيل فتح “بازارات” متتالية لطرح أسماء مرشحة للرئاسة. فعقد لقاءات وأجرى مقابلات وجمّع سيّر ذاتية لمرشحين. استنبط أسماء بعضها غير معروف وبعضها الآخر معروف في مجالات تقنية، عمل من خلالها على ابتزاز الآخرين وجعلهم يخضعون لشروطه. فيما لم ينجح السنّة في المقابل، ببلورة موقف قادر على التأثير في هذه المجريات، وحتى “مجموعة رؤساء الحكومة السابقين” والذين جعلوا من أنفسهم معبراً لأي رئيس للحكومة، قد فرط عقده بعد وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، وبعد الانتخابات النيابية.
أداء التغييريين
لا يختلف أداء التغييريين عن اللعبة التي مارسها باسيل، من خلال لقاءاتهم وتشاورهم، وكأنهم يجهلون بشكل تام أن رئاسة الحكومة لا تحتاج إلى سيرة ذاتية، بقدر ما تكون بحاجة إلى أناس يتمتعون بحدّ أدنى من الخبرة السياسية، ويفهمون تشعبات لبنان وتعقيداته الداخلية والخارجية. يصلح أصحاب السير الذاتية لأن يكونوا مستشارين أو أعضاء في فريق عمل أو حتى وزراء، لا أن يكونوا في موقع رئاسة الحكومة. أما تركيز التغييرين على طرح أسماء لأشخاص لديهم شهادات جامعية، أو ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المجتمع المدني فهو دليل على الخفة السياسية، وعدم القدرة على التفريق بين المستشار التقني أو المتخصص وبين رئيس سلطة ثالثة في بلد. هنا في هذا المعيار، لا بد من مقاربة مختلفة أيضاً بالنظر إلى وجود ميشال عون في بعبدا، ونبيه بري في رئاسة المجلس النيابي، وبالتالي لا بد من شخصية قادرة على تشكيل توازن معهما.
التسخيف السياسي
يتناسى من يطرح أسماء بشكل عشوائي، أنهم زملاء لأحد أصحاب السير الذاتية الأكاديمية حسان دياب، والذي أثبتت حكومته تعميق الانقسام والانهيار فيما لم تستطع تحقيق شيء، سوى صرف حوالى عشرين مليار دولار على الدعم، أي هدر رقم مالي خلال سنتين، يوازي أرقام الخسائر في 15 سنة بين الـ 1990 و2005.
ما يجري هو نوع من التسخيف السياسي في ظل الأزمات التي يعانيها لبنان، وهذا يظهر انعدام قدرة الطبقة السياسية التقليدية والنواب الجدد على استنباط أي حلول جدية للازمات الحالية. هذا النوع من التسخيف يدلّ على الإمعان في الإفلاس السياسي. وهي مؤشرات على وصول النظام السياسي اللبناني إلى ذروة ترهله وانهياره، وكأنه في مراحله الأخيرة إذ تتداعى ركائزه بالكامل. وهذا سيؤدي إلى انفجار بشكل أو بآخر يأتي بعده تدخل دولي قادر على إعادة انتاج تسوية غير واضحة المعالم.