كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
مع إنتهاء دوام العمل بعد ظهر يوم الخميس في السادس عشر من شهر حزيران الحالي، إنتهت مهلة تقديم الطعون أمام المجلس الدستوري في نتائج الإنتخابات النيابية التي جرت في الخامس عشر من شهر أيارالماضي وأسفرت عن تقديم 15 طعناً في نيابة 18 نائباً، توزعت 4 طعون في دائرة الشمال الثانية، وطعنان في كل من دائرة جبل لبنان الأولى والجنوب الأولى وطعن واحد في كل من دوائر الشمال الأولى، بيروت الأولى وبيروت الثانية، البقاع الأولى، الجنوب الثالثة، جبل لبنان الثانية وجبل لبنان الثالثة.
وبينما لم يتم تقديم أي طعن في كل من دوائر جبل لبنان الرابعة، الجنوب الثانية، البقاع الثانية والبقاع الثالثة، برزت إلى الواجهة جملة من الأسئلة والإستفهامات حول مفاعيل هذه الطعون والمهل الواردة والمحددة في قانون إنشاء المجلس الدستوري ونظامه الداخلي للبت بها، وسط إجتهادات تتحدث عن مهل حث أو إسقاط وبعد تجارب وسوابق إمتدت لنحو ثمانية أشهر لصدور القرارات عن المجلس الدستوري.
هذه الإجتهادات مع فتح المجال لعامل الوقت وإرتفاع عدد الطعون تطرح أسئلة جديدة عن إمكانية أن تمتد المهل لما بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية مثلاً في نهاية شهر تشرين الأول المقبل، وإمكانية مشاركة النواب المطعون بنياباتهم في إنتخاب رئيس جديد للبلاد في حال جرى الإستحقاق في موعده الدستوري كما يجب.
كذلك يكون هؤلاء النواب قد شاركوا أيضاً في تسمية رئيس الحكومة العتيد وفقاً للإستشارات النيابية الملزمة التي يُحددها الدستور، وهم سبق وشاركوا أيضاً في إنتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه واللجان النيابية.
هذا المسار تجيب عليه المادة 26 من قانون إنشاء المجلس الدستوري التي تقول: «لا يوقف الطعن نتيجة الإنتخاب، ويعتبرالمنتخب نائباً ويمارس جميع حقوق النيابة منذ إعلان نتيجة الإنتخابات».
وهذا يعني حسب مراجع دستورية وقانونية أن «إبطال نيابة المطعون بهم لا ترتب أية مفاعيل رجعية إن كان من خلال التصويت داخل مجلس النواب كإنتخاب رئيس المجلس ونائبه، أو إنتخابات أعضاء اللجان النيابية ورؤسائها ومقرريها، وصولاً إلى تسمية رئيس الحكومة في الإستشارات النيابية الملزمة وربما المشاركة في إنتخاب رئيس الجمهورية، أو حتى بالنسبة للمخصصات التي قُبضت والتي لا تُرد».
قد يطرح نص هذه المادة وتفسيره إشكالية في حال كانت نتائج العمليات الإنتخابية التي شارك بها النواب المطعون بنيابتهم بفارق أصوات قليلة، ونحن نتحدث عن 18 نائباً ربما تقبل طعونهم كلها أو نصفها وربما تفرض نتائج بعضها تغييرات في تركيبة المجلس النيابي.
مسار الطعن ومهل الحث والإسقاط
يمكن لأي مرشح منافس وخاسر في الدائرة الإنتخابية ذاتها تقديم طعن أمام المجلس الدستوري في نيابة الفائز، خلال مهلة 30 يوماً من تاريخ إعلان نتائج الإنتخابات، ويكلف رئيس المجلس أحد أعضائه وضع تقرير بالطعن خلال مهلة 3 أشهر من تاريخ تكليفه، وخلال مهلة شهر بعد إنجاز التقرير يجتمع المجلس ويصدر قراره، ولكن هذه المهل الزمنية غير ملزمة للمجلس وغالباً ما يتم تجاوزها وهو ما حصل عام 1996عندما إستغرقت فترة دراسة الطعون من قبل المجلس الدستوري تسعة أشهر. كذلك فإن القانون النسبي مع الصوت التفضيلي يتضمن تعقيدات ربما تحتاج إلى وقت أطول للبت بها. وتجاوز المهل وفقاً لما هو وارد في النصوص دفع إلى الإجتهاد في التفسير حيث رأى البعض أنه يجب إحترام هذه المهل بإعتبارها مهل إسقاط، بينما إجتهد المجلس الدستوري ورئيسه السابق القاضي عصام سليمان بإعتبارها مهل حث وليست مهل إسقاط وبالتالي يمكن للمقررين أخذ مهلة تزيد عن الثلاثة أشهر، إن تطلب الطعن مزيداً من التحقيق والدراسة، لأن من واجبهم التوسع في التحقيقات والإستقصاءات وفي دراسة المستندات ليضعوا تقريراً يغطي النقاط الواردة في الطعن أو تلك التي تظهر أثناء التحقيق، وينطبق الأمر ذاته على المجلس الدستوري الذي يحق له بمهلة تزيد عن الشهر.
ويكون قرار المجلس بعد مراجعة الطعن إما بإبطال نيابة المطعون بنيابته وإعلان فوز المرشح الحائز على الأغلبية أو إعادة إجراء الإنتخابات على المقعد الذي خلا نتيجة إبطال النيابة، وفي هذه الحالة وإذ كان الشغور مقعدين أو أقل يعتمد النظام الأكثري في الإنتخابات، أما إذا كان ثلاثة مقاعد أو أكثر فيعتمد النظام النسبي.
الطعون السابقة وإبطال نيابة 5 نواب
منذ إنشاء المجلس الدستوري في العام 1993 بموجب القانون الرقم 250/1993 بدأ المجلس للمرة الأولى النظر في الطعون نتيجة الإنتخابات التي جرت في العام 1996 حتى تاريخه، حيث تقدم أمامه نحو 80 طعناً ما عدا الـ15 الأخيرة ولم تبطل قرارات المجلس إلا نيابة 5 نواب غيرت فقط في نتيجة إثنين هما: النائب الراحل روبيرغانم في البقاع الغربي وراشيا بعدما طعن بالنائب السابق هنري شديد وفاز بالمقعد إثر إعادة الإنتخابات، وكذلك النائب السابق غسان مخيبر الذي أعلن فوزه بعد طعن ميرنا المر بنيابة عمها غبريال المر بعد الإنتخابات الفرعية التي جرت عام 2002 جراء وفاة النائب السابق ألبير مخيبر.
أما عمليات الإبطال الثلاث المتبقية فكانت نتائجها لصالح النواب الذين فازوا بها أصلاً وهم: النائب عن المقعد الماروني في جبيل في إنتخابات 1996 إميل نوفل الذي طعن به النائب والوزيرالسابق ناظم الخوري، لكن نتيجة إعادة الإنتخابات كانت لمصلحة نوفل، وكذلك الأمر بالنسبة للنائب عن المقعد الماروني في عكار فوزي حبيش في إنتخابات 1996 بعد طعن من مخايل الضاهر. ونفس الأمر حصل بالنسبة لإبطال نيابة ديما جمالي عن المقعد السني في إنتخابات العام 2018 بعد طعن تقدم به المرشح الخاسر طه ناجي.
وللتذكير فقد شهدت إنتخابات العام 1996 17 طعناً رد المجلس الدستوري 13 منها وأعاد إجراء الإنتخابات في 4 دوائر، وفي العام 2000 تم تقديم 13 طعناً ردت جميعها، أما في العام 2002 فقدم طعن بالنائب الفائز غبريال المر الذي نال 34894 صوتاً وأبطلت نيابته وأعلن فوزالمرشح غسان مخيبر الذي نال 1773 صوتاً، واعتبر قرارالمجلس الدستوري حينها من القرارات الغريبة العجيبة إذ من تقدمت بالطعن كانت ميرنا المر بينما من أعلن فوزه كان غسان مخيبر (على سبيل التسوية السياسية).
وفي العام 2005 قُدِّم 11 طعناً وتوقف المجلس الدستوري عن العمل بموجب القانون 679/2005 ولم ينظر بالطعون إلا بعد عودته إلى العمل عام 2009 بعد إنتهاء ولاية مجلس النواب وقد ردّ الطعون، وفي العام 2007 جرت إنتخابات فرعية في بيروت وقدم طعن ورُد، أما في العام 2009 فتم تقديم 19 طعناً وردَّت جميعها، وفي العام 2018 قُدم 17 طعناً قُبِل منها واحد فقط في دائرة الشمال الثانية وأعيد إجراء الإنتخابات وفازت مجدداً النائبة ديما جمالي التي طعن بنيابتها النائب الحالي طه ناجي.