كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:
لم يعد النقاش في القطاع التعليمي في لبنان حول رفع قيمة الأقساط المدرسية والجامعية، بعدما سلم ذوو التلامذة بالأمر الواقع. وبات النقاش حول قيمة الدولارات النقدية التي طلبت بعض المدارس الخاصة استيفاءها من الأهالي، تحت بند «مساعدة المدرسة»، في ضوء تعذر ادراج تحصيل مبلغ بعملة أجنبية في الموازنة الخاصة بالمدارس والتي يتم قيدها سنويا في وزارة التربية والتعليم العالي.
هكذا لحقت المدارس الخاصة بالجامعات الخاصة، ولجأت الى فرض رسم مقطوع بالدولار الأميركي، اختلف بين المدرسة الواحدة التابعة لإرسالية او لبعثة علمانية أجنبية، كالحال بين مدرستي الليسيه الفرنسية اللبنانية الكبرى في الأشرفية ببيروت والتي حددت الرسم بـ1200 دولار أميركي للتلميذ الأول من أفراد العائلة، فيما حدد فرعها في المعيصرة – نهر ابرهيم الرسم بـ 1000 دولار.
وترواحت المبالغ المطلوب استيفاؤها بالدولار الأميركي بين 300 دولار وأربعة آلاف دولار تبعا لكل مدرسة. وترافق ذلك مع رفع قيمة القسط السنوي بالليرة اللبنانية بنسبة وصلت الى 300%.
لا اعتراض من غالبية الأهل على أمر واقع لا سبيل للتعامل معه. لكن لسان حال الأغلبية يتحدث عن صعوبات في التسديد بالعملة الأجنبية، ذلك ان غالبيتهم فقدت أجورهم الكثير من قيمتها.
وبين الحفاظ على الجودة في التعليم، وعدم التفريط بالكادر التربوي الذي تميز به لبنان، لم تعترض لجان الأهل (الا شكليا) على الزيادات في الأقساط بالعملة الوطنية.
موظف رسمي كبير من الفئة الثانية في الدولة اللبنانية، تحدث لـ”الأنباء” عن اتصاله بالأمين العام للمدارس الكاثوليكية، «معترضا على رسم الـ 300 دولار عن كل من ولدي الاثنين، وقلت له: «هذه القيمة تتخطى راتبي الشهري. وبالكاد يكفي مجموع راتبي السنوي لتسديد قيمة القسط المدرسي بالعملة اللبنانية بعد رفع قيمته (…) كان الجواب ان الدفع غير إلزامي، لكن الأمر لا يمر لدى إدارة المدرسة المعنية وغيرها».
تختلف الحكايات وتتطابق صرخات الوجع، وتنتهي الأمور بلجوء الأهالي الى الدفع طوعا، فيما يلجأ من يتعذر عليه ذلك الى تبديل المدرسة الخاصة بالانتقال الى المدرسة الرسمية. وتجدر الاشارة هنا الى انشاء بعض المدارس الكبيرة صناديق تعاضد لمساعدة العائلات المتعثرة من خلال الاهالي المقتدرين.
وتكاد تكون مشكلة التعليم في لبنان مرادفة لليوميات التي تزداد صعوبة في البلد، وهي مرتبطة بقطاع الطاقة، لجهة تأمين الكهرباء والمازوت، الى ارتفاع سعر صفيحة الوقود. مشكلة تتفاقم في ضوء الانهيار المالي الذي أصاب البلاد، وانسداد آفاق الحلول للموظفين والعمال، ذلك ان أي تحسين للأجور في القطاعين العام والخاص لن يؤدي الى إنفراج للأزمة المعيشية للأسر.
ويغرق البعض في المفاضلة بين الأولويات لجهة تعليم الأبناء، او تأمين معشيتهم. وفي السرديات عرض للأزمة ومحاولة لتمرير المرحلة بأقل ضرر ممكن.
ليندا موظفة وأم لثلاثة أولاد يتوزعون بين المرحلتين الثانوية والتكميلية، شكرت لإدارة المدرسة حيث يتعلم أولادها «مبادرتها الى تنظيم سوق الكتب للمبادلة بين التلامذة، بأسعار شبه مجانية، الى صرف إدارة المدرسة النظر عن إدراج كتب جديدة مستوردة”.
والشيء عينه حصل في عدد من مدارس الإرساليات والبعثات الأجنبية في لبنان. وفي ذلك خفض لأكلاف كانت ترهق الأهالي مع بدء السنة الدراسية، لجهة تأمين الكتب والقرطاسية.
وطالب قسم لا بأس به من الأهالي من الموظفين والعسكريين، رفع قيمة بدل التعليم المخصص لأبنائهم، «ومراعاة ارتفاع الأقساط التي بلغت أرقاما غير مسبوقة»، بحسب زوجة ضابط في مؤسسة أمنية، تحدثت عن انخفاض قيمة المنحة التعليمية التي كانت تغطي 80% من قيمة القسط السنوي في مدرسة غالية، الى أقل من 7%.
وبين المطالبة برفع قيمة التقديمات للضمان الاجتماعي لتأمين عودة الرعاية الصحية للمضمونين، والمطالبة بتحسين الأجور بعد تصحيح جذري لها، يتفاءل رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر بـ «مساعدة قد تعين العمال على مواجهة الصعاب التي تصاحب يومياتهم».
انفراجات يتم الإعداد لها على «نار هادئة»، لا تتلاءم وتسارع انفلات الأسعار التي ترهق كاهل المواطنين. وتبقى النتيجة في إصرار الأهل على المواجهة، ومحاولة تأمين مستقبل لأولادهم من بوابة التعليم… إذا أمكن.