كتب عمار نعمة في “اللواء”:
تردد حديث من قبل البعض في الآونة الأخيرة عن محاولة لتعويم حكومة تصرف الأعمال الحالية في شكل أو في آخر، وآخر ذلك ما حُكي عن تعديل وزاري في هذا الشأن وصولاً الى بحث الحقائب التي سيتم تعديل أسماء الوزراء فيها.
الحجّة التي يسوقها هؤلاء تتمترس وراء استحالة تشكيل حكومة جديدة خاصة في الأشهر الفاصلة عن مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية مع بدء العد العكسي الفعلي لانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل.
طبعا لم يحجب هذا الحديث عنوان تشكيل حكومة جديدة يعمل عليها الأطراف جميعا، في العلن، لكن الأيام المقبلة ستثبت أن ذلك ليس واقعياً مع مداهمة المهل الدستورية للجميع، ما يرجح أن لا حكومة قبل انتهاء الولاية الرئاسية.
والكلام عن تعديل وزاري يصفه الخبير القانوني والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين، بالهرطقة الدستورية بالتمام والكمال، فعن أي تعديل لحكومة مستقيلة يتحدث هؤلاء؟
والواقع أن الحكومات السابقة تعرضت للتعديل، مع أن الدستور لا يتناول بتاتاً موضوع التعديل الحكومي ولكن الفارق أن تلك الحكومات كانت عاملة ومكتملة المواصفات الدستورية، فإذا استقال أحد الوزراء كان يتم استبداله بوزير آخر، كما حدث في هذه الحكومة نفسها حين استقال وزير الاعلام جورج قرداحي فتم تعيين زياد المكاري وزيراً جديداً، من دون أن تمثُل الحكومة من جديد أمام المجلس النيابي، باعتباره تعديلاً وزارياً طفيفاً ومحدوداً، حسب يمين، الذي يُذكِّر بتعيينات مشابهة.
أما عندما تستقيل الحكومة أو تُعتبر مستقيلة بحكم الدستور مثل حالة الحكومة الحاضرة مع بدء ولاية مجلس نيابي جديد، فعملاً بالمادة 69 من الدستور أصبحت حكومة مستقيلة غير قابلة لتحويلها الى حكومة مكتملة المواصفات الدستورية إطلاقا.
وبالتالي لم يعد من مناص من تأليف حكومة جديدة وإن إحياء حكومة خسرت كينونتها الدستورية كحكومة عاملة هو أمر غير ممكن وغير جائز إطلاقاً، خصوصا أن الحكومة أخذت ثقتها من المجلس النيابي السابق، “ونحن اليوم أمام برلمان جديد الأمر الذي يقود الى القول إن تأليف أي حكومة جديدة يجب أن يتم عبر اتباع الاجراءت والأصول والآلية المحددة في الدستور من ألفها الى يائها”.
ويحدد يمين تلك الآلية بدءاً من استشارات نيابية يجريها رئيس الجمهورية وتؤول الى تسميته رئيس الحكومة المكلف، ومن ثم قيام رئيس الحكومة المكلف بإجراء استشارات نيابية في سياق مساعيه لتأليف الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ومن ثم إجراء مباحثات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف توصلاً الى الاتفاق بينهما على التشكيلة الوزارية، ومن ثم إصدار رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف مرسوم تأليف الحكومة بعد أن يكون أصدر رئيس الجمهورية في الوقت ذاته مرسوما لإعلان إعتبار الحكومة الحالية مستقيلة يوقعه منفرداً، ومرسوم تسمية رئيس الحكومة المكلف يوقعه منفرداً، ومن ثم يصدر بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف مرسوم تأليف الحكومة الجديدة، ومن ثم يؤلف مجلس الوزراء لجنة وزارية لصياغة البيان الوزاري وتقره لاحقاً الحكومة الجديدة في جلسة لمجلس الوزراء وتمثل أمام البرلمان على أساسه خلال مهلة 30 يوما من تاريخ صدور مرسوم تأليفها طلباً لثقة المجلس النيابي.
وعندما تحوز الحكومة على هذه الثقة تصبح حكومة عاملة ومكتملة المواصفات الدستورية ولا شيء يمنع أن يعود جميع وزراء الحكومة القديمة ورئيس الوزراء ذاته، كما ليس هناك ما يمنع أن يعود بعضهم، ولكن في كل الأحوال ذلك يكون ضمن إطار تأليف حكومة جديدة.
ويشدد يمين على أن إصدار مرسوم بترميم الحكومة الحالية وبث الحياة الدستورية فيها، أمر غير جائز ويصفه بأنه هرطقة دستورية بالتمام والكمال.
أما عن إمكانية حيازة الحكومة المستقيلة على ثقة المجلس النيابي مجدداً، فيشدد الخبير القانوني على أنه لا يمكن للحكومة التي باتت مستقيلة بحكم الدستور أن تُعرض على البرلمان وأن تطلب الثقة منه، إنما تُعرض على البرلمان لطلب الثقة الحكومة التي سيصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلف مرسوماً بتأليفها.
كما يؤكد أنه لو كانت الحكومة غير مستقيلة بحكم الدستور، ففي إمكانها أن تطلب طرح الثقة بنفسها أحيانا، فالدستور والنظام الداخلي يسمحان بذلك إذا شكّت الحكومة باستمرار ثقة الأغلبية النيابية بها، ولها الحق في أن تطلب المثول أمام المجلس النيابي للتحقق من استمرار ثقته بها من خلال طرحها للثقة بنفسها، ولكن ذلك يشترط أن لا تكون مستقيلة بحكم الدستور.