كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
لم يكن وقع دعوة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، من بيروت الى ما سماه «وحدة الساحات» المقاومة لإسرائيل، مريحا على أسماع معظم اللبنانيين، في هذا الظرف بالذات، وفي ذروة الخلاف حول استمرار تفلت سلاح حزب الله الايراني من سيطرة الدولة اللبنانية، وتوجيهه للمشاركة بالحروب المذهبية، في سوريا والعراق واليمن واستهداف الدول العربية الشقيقة والصديقة، خدمة للمشروع الايراني المدمر للمنطقة العربية.
قوبل موقف هنية هذا، برفض وردود فعل سلبية مستنكرة، لان ماطرحه يعيد اللبنانيين إلى ذاكرة، ماعاشوه من مآسٍ وويلات في الماضي، جراء الزج بلبنان من قبل بعض الدول والجهات العربية والتنظيمات الفلسطينية لمواجهة العدو الاسرائيلي بمفرده،وما تسبب به من خراب ودمار على لبنان ووحدته وسيادته واستقراره،يعلم هنيّة أن مثل هذه الدعوة لاعتبار لبنان، ساحة، شبيهة بساحة غزة، يمكن التحكم بها، أو ضمّها لساحتها، كما يتمنى لوجود سلاح حزب الله فيها، كما كان سابقا، بناء لرغبة ايرانية، او ماشابه، تحكمه جملة موانع وتحفظات، اولها زوال الاحتلال الإسرائيلي عن الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها القوات الإسرائيلية في الجنوب، وصدور اكثر من قرار دولي يحدد ضوابط الوضع في جنوب لبنان، تحت إشراف قوات الامم المتحدة هناك، ورفض معظم اللبنانيين، الانجرار لأي مواجهة مع العدو الاسرائيلي لحسابات خارجية وايرانية تحديدا، الا اذا كانت للرد على اعتداءات إسرائيل على لبنان ودفاعا عنه وعن مصالحه وامنه وسيادته واستقراره حصرا.
معلوم ان لبنان الرسمي والشعبي لم يبدّل موقفه الداعم للقضية الفلسطينية وتأييده لنضال الشعب الفلسطيني المشروع، لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو ملتزم ومستمر بهذه السياسة وهذا التوجه، برغم كل ما تعرض له وتحمّله منذ النكبة المشؤومة حتى الآن، لأن هذا من واجبه القومي، الذي لن يتخلى عنه.
يُشكر هنيّة على دعم حركة حماس لبنان، وحقه بثرواته الطبيعية، في البرِّ والبحر، في ذروة الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ولكن كان الاجدى له في زيارته للبنان، الذي مايزال يجد من خلاله متنفسا نضاليا فريدا، لم يعد متوفرا في المنطقة، ان يتجنب إطلاق مثل هذه العبارات المستفزة للبنانيين، وأن يستبدل عبارة وحدة الساحات، بالعمل من موقعه، ومن غزة واجهة الصمود والنضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وحصاره للشعب الفلسطيني، إلى تجاوز كل الخلافات وتخطي كل الصعوبات والحزازات على اختلافها، لاعادة وحدة الساحات الفلسطينية المنقسمة منذ سنوات، لصالح الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة.
فإعادة توحيد الصف الفلسطيني، مطلب ملحّ، لضمّ سائر القوى والاطراف الفلسطينية معا، وتوجيه الجهود كلها، لتقوية وتفعيل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والأهم اخراج القضية الفلسطينية من مزايدات النظام الايراني ومقايضاته الاقليمية والدولية.
فالكل يعلم ان هنيّة من موقعه بالحركة، قادر على لعب دور مؤثر وفاعل مع القيادة الفلسطينية، وسائر الفصائل الفلسطينية الاخرى، لتجاوز الانقسامات المؤذية للقضية الفلسطينية، لتدارك مخاطر وتحديات المرحلة الصعبة والمعقدة، لان الاستمرار بالدوران بحلقة الخلافات وتشتت الجهود، يزيد من عوامل الضعف والاستفراد من قبل العدو الاسرائيلي لكل الفلسطينيين من دون استثناء، وعندها لن تنفع دعوة وحدة الساحات، التي ستبقى محدودة النتائج، بالتعويض عن الوحدة الفلسطينية المنشودة، لذا لا بدّ من إيلائها الاهتمام الكافي والعملي.