كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
مع ان المادة 64 من الدستور تنص على اجرائها، لم يكن الرئيس نجيب ميقاتي في حاجة الى استشارات نيابية لتأليف الحكومة. لم تعزه مواصفاتها كي يجوجل آراء النواب. اسهل حلول التأليف: تعويم الحكومة المستقيلة بمراسيم جديدة او استمرارها في تصريف الاعمال.
كما رافق الاستشارات النيابية الملزمة سؤالٌ محيِّر هو هل ان الرئيس المكلف سيتمكن من تأليف حكومة جديدة، رافق السؤال المحيَّر نفسه البارحة ويستمر اليوم المشاورات النيابية التي يجريها الرئيس نجيب ميقاتي. اسباب شتى تحمل اكثر من فريق او كتلة على تقليل حظوظ الاتفاق على حكومة جديدة، في المدة القصيرة الفاصلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية. البعض المتفائل يفصل ما بين الاستحقاقين. لا شأن للسلطة الاجرائية في انتخاب الرئيس المقبل المعهود الى مجلس النواب وحده. كذلك لا شأن للبرلمان في المقابل ولا دور مطلوباً منه قريباً سوى انتظار المهلة الدستورية. كلتا السلطتين الاشتراعية والاجرائية اقرب ما تكونان او ستكونان على قارعة الطريق تنتظران المهلة الدستورية بين 31 آب و31 تشرين الاول.
الشائع في حسبان المنادين بضرورة تأليف حكومة جديدة، ان عليها استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي لابرام الاتفاق النهائي، وكذلك مواكبة رئيس الجمهورية ميشال عون في آخر قرار مهم يتخذه – اذا كان المراد ان يصل الى خاتمته قبل نهاية الولاية – وهو اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل. سوى هذين البندين المهمين والضروريين، يصبح من المغالاة القول ان لوجود حكومة جديدة اهمية تذكر. ربما بسببهما، والبعض يقول ان اياً منهما لن يتحقق، يجمع الافرقاء على توقّع شد حبال وهمي واهدار للوقت دونما ابصار الحكومة الجديدة النور.
ليس ذا اهمية قصوى لميقاتي ان يكون على رأس حكومة جديدة، ما دام سيظل رئيس حكومة تصريف الاعمال الى موعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية. بعدها تتسلم حكومته المستقيلة – مُعوَّمة بما يتجاوز تصريف الاعمال العادية الى ما هو اكثر من الاعمال التصرّفية – صلاحيات رئيس الجمهورية. الامر نفسه سيقع ايضاً مع حكومة جديدة يصير الى تأليفها قبل الوصول الى آب المقبل، فينتهي بها المآل في 31 تشرين الاول الى تولي صلاحيات الرئاسة الاولى عملاً بأحكام المادة 62. المفارقة، في ثالث الاحتمالات المتطابقة والمفضية الى النتيجة نفسها، ان حكومة جديدة تصدر مراسيمها ويتعذر حصولها على ثقة مجلس النواب تنقلب للتو الى حكومة تصريف أعمال، تنتهي بها الحال كذلك كما الخيارين الآخرين.
بذلك يكون ميقاتي هو الابقى. الرابح في وقت يفترض مع موعد معركة رئاسة الجمهورية ان يبدأ الافرقاء الآخرون احصاء خسائرهم وتقدير خطوات تراجعهم الى الوراء يوماً بعد يوم. ذلك ما يعنيه في احسن الاحوال تلاقيهم المتشائم على استبعاد تأليف حكومة جديدة، والاستعداد للتعامل الواقعي مع تعويم حكومة تصريف الاعمال. ما بين هذه وتلك – اذا تألفت – الفروق واهية.
اما الدوافع الفعلية لاعتقاد الافرقاء المؤثرين بخفض آمالهم في تأليف حكومة جديدة، فتكمن في بضعة معطيات. منها:
1 – تحبيذ ميقاتي حكومته الحالية، بأعضائها المستقلين ظاهراً، على اي حكومة جديدة يريدها البعض سياسية كي يكون الى طاولة مجلس الوزراء عند شغور منصب رئيس الجمهورية. يتمسك ميقاتي بالاحجام الحالية للقوى المنضوية في حكومته والحقائب الموزعة عليهم، ما يجعله يرفض اعادة النظر في حجم اي من هؤلاء او الحقائب التي يشغلونها او اجراء تبديل في ما بينها.
2 ـ الشريك الفعلي للرئيس المكلف هو رئيس الجمهورية، لا الكتل النيابية، في المنحى الذي يرافق الاستحقاق الحالي. من دون توقيع عون لا حكومة جديدة، اياً تكن مواصفاتها. بيد ان البديل الوحيد من الاستغناء عن توقيع رئيس الجمهورية امرار الوقت الى موعد نهاية ولايته، ومن ثم انتقال صلاحياته اليها.
3 ـ مع ان اولى حكومات ما بعد انتخابات نيابية عامة يوجب تأليفها الاخذ في الحسبان نتائج الانتخابات تلك، كي تكون على صورتها من جهة، وتحظى بثقة البرلمان المنتخب من جهة اخرى، الا ان الامر ليس كذلك في الاستحقاق الجديد. مجرد قول الرئيس المكلف انه ميّال الى استمرار تجربة حكومته الحالية، يدل على تجاوزه نتائج انتخابات 15 ايار مع كل التحولات المهمة التي رافقتها، سواء بالنسبة الى القوى التي خرجت من البرلمان، او الذين ربحوا اكثر او للمرة الاولى حتى، او اولئك المتراجعة حصصهم. بعض وزراء الحكومة المستقيلة يمثلون مراجع سياسية خسرت انتخابات ايار، وبعضها الآخر تقلص حجمه او تفكك، والبعض الثالث لا يصح تجاهله. الا ان في حكومة تصريف الاعمال ايضاً افرقاء كالثنائي الشيعي غير متحمسين، في حكومة جديدة، للتخلي عن حلفاء خسروا او اضعفتهم الانتخابات النيابية.
ربما اسطع مثال على مغزى انعكاس نتائح الانتخابات النيابية على تأليف حكومة جديدة، ان يعود التمثيل الدرزي الى وليد جنبلاط وحده، هو احد ابرز الرابحين في استحقاق 15 ايار، فيمسك بما ليس بين ايدي اي من الافرقاء الآخرين في الحكومة الحالية، سوى الثنائي الشيعي، وهو تمثيله ميثاقية طائفته.
4 ـ رغم ان اصوات التكليف الـ54 التي حازها ميقاتي في 23 حزيران غير كافية لنيل حكومته الجديدة – اذا تألفت – الثقة، وقد يحتاج الى جهد كبير لاقناع معارضي تكليفه الـ71 سواء الذين صوتوا لسواه او اختاروا عدم التسمية بمنحها الثقة، الا ان المعلوم عنده انه ليس في صدد ان يضم الى حكومته مَن لم يتمثل فيها قبل الانتخابات النيابية الاخيرة. يصح ذلك على النواب الجدد في المجتمع المدني كما على سواهم. الاكثر تبريراً لمفاضلته حكومته المستقيلة على اي اخرى جديدة، انه ليس في وارد ان يعطي في حكومة جديدة ما لم يعطه في حكومة تصريف الاعمال. الخصم المباشر المعلن امامه هو رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي لم يصوّت لتكليفه، ويريد في الوقت نفسه حكومة سياسية، ويتسلح بتوقيع رئيس الجمهورية.