كتب أحمد الايوبي في “اللواء”:
في سياق مقاربة تحديات المرحلة وأولوياتها، يبرز السؤال الكبير في الساحة السنية: ما هو البديل بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري ومقاطعته للانتخابات النيابية وإصراره غير المبرر وغير المنطقي على عزل أهل السنّة واستنكافه عن المشاركة السياسية، وكيف ومتى يمكن ملء الفراغ السياسي الذي أحدثته مناورة الحريري التي مارسها بأساليب ملتوية، مثل دعم لوائح فيها النواب الموالون له بشكل أعمى، أو الاعتماد على خوف الثنائي الشيعي من خروجه النهائي وبروز قيادات بديلة تتمتع بالشرعية والقوة، ليكون له وزير هنا أو مدير عام هناك.
مسألة الوقت يجب الوقوف عندها، لأنّ فريق الرئيس الحريري يسارع عند الاعتراض على سياساته إلى دعوة المعارضين لتقديم البديل عنه في السياسة أو غيرها، متناسين أنّ تيار المستقبل استغرق بناؤه الجديد منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري إلى بدايات سنوات التراجع، ما لا يقلّ عن عشر سنوات، حظي فيها بكامل الدعم والتأييد والتغطية السياسية والمالية المحلية والعربية والدولية، ونعتقد أنّه لو تمتّع الحريري بحسن الإدارة لصمد تياره لعقود طويلة.
خلال سنوات الذروة، سيطر تيار المستقبل على كلّ شيء، ومنع ولادة أي فكرة أو مجموعة أو حزب سنّي، وحظر على غيره من السنّة، حتى لو كانوا في الخط السيادي، أن يتواصلوا مع العرب والدوليين، ليتربع على عرش الآحادية القاتلة.
لذلك، فإنّ مطالبة المعارضين بإنشاء البديل بشكل فوري هو خبث ومكر وتجاهل لطبيعة تكوين الأحزاب والكيانات، وخاصة في لبنان، ولو أتيح لكثير من المعارضين ربع ما حظي به الرئيس الحريري من دعم وغطاء داخلي وخارجي، لاختلف المشهد والواقع السنّي بشكل جذري.
ما قام به الرئيس فؤاد السنيورة في تأمين الغطاء للترشح والتصويت ثم دعم اللوائح في المناطق والتحالف مع القوات اللبنانية وشركاء محليين، كان في عمقه جزءاً من صناعة البدائل، وإن كانت أخذت صفة العجلة بسبب ضيق الوقت المتاح لتشكيلها. وهذا مسار يجب أن يتواصل لأنّه ضرورة حتمية وبدونه سيخسر أهل السنة الكثير من عناصر وجودهم واستمراريتهم.
لا يُمكن إستعادة الثقة بالذات إلاّ من خلال بناء البدائل، وأول الخطوات بناء الأرضية المشتركة بشكل موسع بين النخب السنية، وإعلاء شأن الكفاءة والمبادرة والاحتفاء بها وتسويقها ونشر فضائلها في المجتمع.
إنّ التبشير بالإصلاح والبناء هو مهمة النخب السنية في هذه المرحلة الانتقالية، ونشر فكرة القدرة على النهوض والتأثير واتخاذ ما أُنجز في الانتخابات منطلقاً يمكن تطويره والبناء عليه في هذا المسار.
الواجب على النخب المعنية من أهل السنّة أن تباشر العمل من أجل تكوين البدائل في مختلف المجالات: السياسية والاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وصولاً إلى البدائل الصالحة في المجال الديني والدخول في عملية إصلاح جادة وعميقة لمؤسساتنا الإسلامية، بإشراف مفتي الجمهورية.
هذه البدائل ينبغي أن تشمل إعداد القيادات الإدارية والبلدية والتنموية والدينية لتأخذ مكانها ومكانتها في المرحلة المقبلة، من خلال تقديمها الشفاف للرأي العام وإنضاج تجاربها وتعزيز كفاءاتها، حتى يطمئنّ الناس إلى وجود قيادات مسؤولة تقف إلى جانبهم وتدافع عن مصالحهم وترفض التنازل عن حقوقهم، ولا ترضى أن يكونوا أقلّ شأناً من سائر شركائهم في الوطن.
هذه القيادات البديلة ستعطي النماذج العملية في الحفاظ على العزة والكرامة، وعلى حسن صياغة التحالفات المبنية على الندية والتكامل داخل الصف الإسلامي، وعلى الشراكة الكاملة والتكافؤ على المستوى الإسلامي – المسيحي.
إنّ عدوى الإصلاح يجب تطال الأفراد والعائلات وأن تؤسِّس لنهضة تقوم على التعلّم من أخطاء الماضي المتكرّرة والموبقات والخطايا التي ارتكبتها القيادة السياسية بحق نفسها وبحق الطائفة، وأن نعود إلى ضمائرنا وثوابتنا وحريتنا وقيمتنا التي أسقطها أصحاب مشروع الصنمية السياسية، ممّن أرادوا تأليه «الزعيم» على الطريقة الفرعونية، حتى لو كان غارقاً في الخطأ والخطايا السياسية.
يمتلك أهل السنة شباباً ورجال علم وفقه وتنمية وتربية وتكنولوجيا وطب وقانون وهندسة وبيئة وفي سائر احتياجات العصر، وهم فيها بارعون محلّقون متقدّمون، تضيء سماء الوطن بأسمائهم ويفتخر العرب بإنجازاتهم.. لكنّهم تعرّضوا على مدى السنوات الماضية للتهميش من ذئاب السلطة وذبابها، واليوم، تعود فرصتهم للتقدّم وبناء كيان سني وطني زاخر بجميع عناصر القوة والتماسك والحرص على الشراكة الوطنية.
إنّها اللحظة التاريخية المناسبة التي انتظرها دعاة الإصلاح والتغيير والبناء، وكلّ تلكؤ عن التقدّم والعمل، يعتبر انهزاماً مسبقاً وتضييعاً للفرص المتاحة. أربع سنوات تفصلنا عن الاستحقاق النيابي، وربما أشهر عن الاستحقاق البلدي، وهناك حاجة ملحة وضرورية لتنظيم الصفوف في النقابات وعلى مستوى المؤسسات والجمعيات في إطار ورشة عمل كبرى وشاملة، الجميع بانتظار انطلاقتها في أسرع وقت