كتب عمر البردان في “اللواء”:
ترحيل ملف تشكيل الحكومة إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى، وسفر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إلى الخارج لقضاء العطلة مع عائلته، يؤشر بوضوح إلى أن لا أحدا مستعجل على التشكيل، وإن تذرّع المعنيون بوجود خلافات تمنع التوافق على حكومة جديدة، في وقت لفت بيان مجلس الأمن الدولي الذي طالب المسؤولين، الإسراع في تأليف حكومة وإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده. وهذا ما يفسر برأي أوساط سياسة، الحرص الأممي والدولي على ضرورة إنجاز هذين الاستحقاقين في موعدهما، وفي الوقت نفسه إطلاق تحذير من مغبة أي مماطلة على هذا الصعيد، بالنظر لانعكاساتها البالغة السلبية على البلد، وتحديداً في ما يتصل بالدعم الدولي الذي سيتأثر كثيراً في حال أخلّ لبنان بالتزاماته.
وفي حين بقي الانسداد قائماً في ما يتصل بالجهود الآلية لإحداث خرق في الجدار الحكومي، وبعد ازدياد نقمة «حزب الله» على الرئيس المكلف، يبدو أن الحزب لا يمانع في دعم مطالب «التيار الوطني الحر»، وتحديداً ما يتصل بإبقاء حقيبة «الطاقة» من ضمن حصته، وبالتالي فإن الحزب لن يقبل بأي حكومة، إذا لم يكن النائب جبران باسيل راضياً عنها. وهذا ما دفع الأخير إلى تصعيد موقفه في وجه الرئيس المكلف، توازياً مع شنّ نواب هذا الفريق حملة شرسة على الرئيس ميقاتي، واتهامه بأنه لا يريد تشكيل حكومة.
ووفق المعلومات فإن عملية تأليف الحكومة باتت أصعب من أي وقت مضى، بعدما ارتفعت حدّة الكباش القائم بين العهد والرئيس المكلف، ومع دخول «حزب الله» طرفاً، ما يجعل الملف الحكومي على درجة كبيرة من التعقيد المفتوح على كل الاحتمالات، في ظل ما تسرّب من معلومات عن أن تشدّد «حزب الله» في الملف الحكومي، يعود في جزء منه، للرد على ما يدّعيه، من تدخلات أميركية وخليجية في عملية تأليف الحكومة، سعياً لفرض التشكيلة التي تناسب واشنطن والعواصم الخليجية.
وفي حين لم يتم إحراز أي تقدّم في عملية تأليف الحكومة، بعد انقطاع التواصل بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي والرئيس عون، تشير أوساط نيابية معارضة، إلى أنه «ليس متوقعاً في آخر ثلاثة أشهر من عهد ميشال عون المليئ بالتعطيل، أن تتشكّل حكومة»، مشيرة إلى أن «إيران بأنها المستفيد الأكبر من عدم ولادة الحكومة، من خلال محاولات حزب الله تبرير وجوده في اللعبة الداخلية، إضافة إلى العهد والمجموعة التي تدور في فلكه، والتي تبحث عن إفادة شخصية، علها تعطل الاستحقاق الرئاسي، أو تأتي بجبران باسيل للرئاسة».
وفيما لفت كلام رئيس الجمهورية المتفائل باستئناف مفاوضات الترسيم البحري، وبأنها ستكون في مصلحة لبنان، كشف النقاب عن دخول فرنسي على خط الأزمة التي تسببت بها مسيّرات «حزب الله»، حيث تحركت باريس بدعم أميركي لتهدئة الموقف، وعدم خروج الأمور عن السيطرة، باتصالات قامت بها السفيرتان الفرنسية والأميركية في بيروت، غداة الاتصال التحذيري الذي أجراه الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم أموس هوكشتاين مع نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بوصعب. فكان بيان الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب المشترك الي ترك استياء كبيراً لدى حزب الله»، مشددة على أن «التنسيق الفرنسي الأميركي سيستمر من أجل إنجاح المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، وتأمين الظروف الملائمة لإيصالها إلى بر الأمان» .
وسط هذه الأجواء، يبقى تحرك السفير السعودي وليد البخاري محط اهتمام سياسي وإعلامي، بعدما زار طرابلس والتقى عدداً من فاعلياتها، ومن بينهم النائب السابق فيصل كرامي لما يقارب الساعتين، في خطوة رأى فيها المراقبون، بأنها محاولة سعودية لإعادة توحيد البيت السني، بعد الانتخابات النيابية، وبما يساعد على تقوية موقف الطائفة الذي ظهر مفككاً في الاستحقاق النيابي الأخير.
وعلم أنه سيكون للسفير البخاري لقاءات أخرى مع عدد من القيادات السنية الموالية للعهد والمعارضة له، من أجل توحيد المواقف إزاء الاستحقاقات المقبلة، باعتبار أن المملكة العربية السعودية، لا يمكنها القبول باستمرار الواقع السنّي على ما هو من تفكّك وتشرذم، مع غياب القيادة السياسية للطائفة التي تعتبر مكوّناً أساسياً من مكونات الاعتدال في لبنان. كذلك كانت لافتة زيارة السفير السعودي، العلّامة علي فضل الله في ضاحية بيروت الجنوبية، في إشارة واضحة بأن الرياض تفرّق تماماً بين «حزب الله» الإيراني وبين شيعة لبنان الوطنيين والعروبيين، توازياً مع جهود تبذل على أكثر من صعيد بين قوى الأكثرية النيابية، للتوافق على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية، يواجه مرشح «حزب الله» الذي يرجح أن يكون رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وعلى هذا الأساس كانت دعوة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لتحقيق هذا الأمر، في الأسابيع المقبلة، باعتبار أن وصول شخصية موالية للحزب إلى رئاسة الجمهورية، تخلف الرئيس ميشال عون، سيزيد من معاناة اللبنانيين، ويدفع بالبلد إلى الغرق أكثر فأكثر.