كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
لم يتجاوز لبنان مسار «الحلول الموقتة» التي يمضي بها لتوفير التغذية الكهربائية العالقة عند الإصلاحات الإدارية والتجاذبات السياسية المحلية، وشروط دولية لقاء دعم القطاع للوصول إلى حل نهائي لأزمة انقطاع الكهرباء، وهو حل لا يتوقع اللبنانيون أن يكون سريعاً.
وتطرأ ضغوط إضافية يومياً على أزمة انقطاع الكهرباء، وتتكرر التحذيرات من الغرق بالعتمة، مرة بسبب النقص في مادة الفيول المشغلة لمحطات الإنتاج، ومرة أخرى بسبب أعطال أو تأخر في دفع مستحقات الفيول، وأخيراً بسبب العجز عن دفع مستحقات الشركة المشغلة لأكبر محطات الإنتاج، وهي أسباب تتكرر منذ أشهر، وتتكرر معها التحذيرات من غرق لبنان في عتمة شاملة.
وانضم التخلف عن دفع مستحقات مشغل معملين لإنتاج الكهرباء في لبنان الأربعاء، إلى جملة الأسباب التي أدت إلى تراجع التغذية الكهربائية، وزيادة التقنين، حيث هددت الشركة المشغلة لمعملي الإنتاج في الزهراني ودير عمار بإطفاء المعملين، قبل أن يتدخل وزير الطاقة وليد فياض الذي أجرى محادثات مكوكية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لحل القضية، ما حال دون انقطاع الكهرباء عن مرافق أساسية مثل مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والمرفأ.
وأظهرت وثيقة حصلت عليها «الشرق الأوسط» تحويل مبلغ 23 مليوناً وثمانين ألف دولار عبر مصرف لبنان المركزي، لصالح الشركة المشغلة والمكلفة صيانة محطتي الإنتاج بموجب عقد مع الدولة اللبنانية. وتعد هذه الدفعة جزءاً من قيمة العقد البالغة قيمته 60 مليون دولار لتشغيل معملي الإنتاج.
وتزايد انقطاع الكهرباء في لبنان، خلال العامين الأخيرين بشكل قياسي، في مشهد لم يعهده لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية. ويغرق لبنان بعتمة تمتد إلى نحو عشرين ساعة يومياً، ولاذ اللبنانيون بشبكة الكهرباء البديلة (مولدات كهربائية). ولم يقتصر أثر انقطاع الكهرباء على النور، بل وصلت تداعياته إلى التغذية بمياه الشفة، حيث تحتاج محطات ضخ المياه للكهرباء.
ويُظهر سياق الأزمة المتواصلة أن مشكلة انقطاع الكهرباء عائدة إلى العجز عن تأمين ثمن الفيول المشغل لمحطات الإنتاج، بعد رفض مجلس النواب دفع مستحقات على شكل سلف من الموازنة لصالح الشركة، من دون تنفيذ الخطة الإصلاحية التي تعرضت لتجاذب سياسي على مدى خمس سنوات. ويضغط المجتمع الدولي، كما القوى السياسية الداخلية وجمعيات أهلية باتجاه إصلاح القطاع الذي استنزف الخزينة بأكثر من 24 مليار دولار على قطاع الطاقة واستيراد الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، حسب بيانات مصرف لبنان.
وتطالب القوى السياسية بتنفيذ الخطة بدءاً من تعيين هيئة ناظمة للقطاع، تعني «سحب الصلاحيات من وزير الاختصاص لصالح الهيئة التي تضم خبراء ومسؤولين حكوميين»، وهو ما يعرقل الاتفاقات السياسية على تعيينها، حسبما تقول مصادر مواكبة للنقاشات حول الأزمة. وينسحب الأمر على المؤسسات الدولية. وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن ممثلي المؤسسات المالية الدولية بينها «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» يلحّون في السؤال عن مصير الهيئات الناظمة للقطاعات الحيوية المنتجة وفي طليعتها الكهرباء، موضحةً أن المؤسسات المالية الدولية تعد تشكيل الهيئات الناظمة خطوة أساسية «لا مفر منها للشروع بالإصلاح الهيكلي عبر استقلالية الهيئات وشفافية بياناتها المالية، كما أنها تفتح باب الإصلاح لموارد الخزينة»، وهي وردت في تعهدات الحكومة في مؤتمر «سيدر» في عام 2017.
ومنذ التوقف عن صرف سلف الخزينة التي تعاني أساساً من عجز كبير على ضوء الأزمة المالية وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، بدأت الحكومة بالبحث عن بدائل لتأمين تغذية «بالحد الأدنى» في وزارة الطاقة، وتقول مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير وليد فياض «يبذل جهداً كبيراً لتأمين الطاقة عبر التواصل مع الدول المعنية»، وكان آخرها في العراق، بهدف تمديد العقد الموقّع مع الحكومة العراقية منذ العام الماضي، لتسليف لبنان الفيول.
ولبنان الذي يحتاج إلى نحو 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء، انحصر إنتاجه أخيراً بالمحطات الكهرومائية «التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى نحو 100 ميغاواط»، وبمحطات عاملة على الفيول يزودها بها الاتفاق مع الحكومة العراقية. فقد بدأ لبنان منذ آب الماضي تنفيذ الاتفاق القاضي بإعطاء لبنان شحنات من النفط الخام، تتم مبادلتها مع شركات أجنبية بنحو 40 ألف طن شهرياً من الفيول المشغل لمحطات الإنتاج.
وقبل نهاية العقد، زار فياض العراق حيث التقى وزيري النفط والمالية العراقيين، وحاكم المصرف المركزي العراقي. وقالت مصادر وزارة الطاقة إن الزيارة «كانت ناجحة جداً»، مشيرة إلى «احتمال كبير بتمديد العقد مع العراق»، لافتةً إلى أن المحادثات بحثت في ضرورة بدء لبنان في دفع مستحقات العقد الساري، وتفعيل المبادلات المتفق عليها (صحية وتربوية وغيرها).
ويعمل لبنان على خط موازٍ لضخ الغاز من مصر لتشغيل معمل إنتاج على الغاز في الشمال، واستجرار الكهرباء من الأردن، للتخفيف من حدة الأزمة، وهي خطة تنتظر تمويل البنك الدولي، كما ضمانات أميركية بعدم تعرض مصر والأردن لتداعيات قانون «قيصر» كون الغاز والكهرباء سيتم نقلهما عبر الأراضي السورية.
وتقول مصادر وزارة الطاقة لـ«الشرق الأوسط» إن الوزير فياض «أنجز كل الأمور المطلوبة منذ وصوله إلى الوزارة عبر إقرار خطة كهرباء نالت موافقة الحكومة قبل تحولها إلى تصريف الأعمال، وتوقيع العقود مع مصر والأردن وسوريا لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ولم يتوقف عن التواصل مع الدول والمؤسسات المعنية مثل الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي وغيرها لتأمين الكهرباء وإنجاز الترتيبات التقنية مثل إعادة تأهيل الخطوط»، فضلاً عن زياراته الأخيرة إلى العراق، ووضع خطط طوارئ، والتعامل مع المستجدات بسرعة وجدية.