كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
من البديهي أن تتعاطى القوى السياسية مع انتخابات رئاسة الجمهورية من زاوية واحدة: ماذا يريد حزب الله من هذا الاستحقاق؟
السؤال المركزي لا يتعلق، فقط، بدور حزب الله محلياً واختياره رئيساً حليفاً له، واستطلاع الموقف الإيراني من خلفه في شأن التسوية الإقليمية مع السعودية وانعكاسها على لبنان، وانتظار نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، بل يتم التعاطي معه على أساس استكشاف مصلحة الحزب في إجراء الانتخابات أولاً وآخراً، وانعكاسها على مستقبل لبنان، قبل الذهاب إلى اسم المرشح الرئاسي. ووفق ذلك تتعدّد القراءات حول موقف حزب الله والثنائي الشيعي من الاستحقاق في حد ذاته.
مع تسليم معظم القوى السياسية بأن لا حكومة قبل انتهاء العهد، وبأن الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لن يشكل حكومة جديدة، ثمة مجال رحب للثنائي الشيعي، ولا سيما للرئيس نبيه بري، للعب لعبة الفراغ الرئاسي من باب المماحكات السياسية بالدرجة الأولى. فبين موقع مسيحي أول فارغ، وموقع سني ثالث محصور بتصريف الأعمال، يصبح موقع الرئاسة الثانية الشرعي الوحيد القائم دستورياً والذي يؤمّن الاستقرار الشرعي للمؤسسات. من هنا أهمية ما جرى في انتخابات المجلس النيابي بعد الانتخابات النيابية، لأن بري المتحكّم باللعبة السياسية من قلب النظام، يستسيغ فكرة الذهاب إلى مساحة يكون فيها الممثل الشرعي الأوحد للمؤسسات الدستورية، ولو كان هذا الفراغ لفترة محدودة من دون تكرار تجربة مدة الفراغ التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
لكن، إلى أي مدى يمكن أن يكون لحزب الله رأي مختلف؟ فهو، في إطار ما، قد يذهب إلى القبول بالفراغ إذا كان سيضمن له الإتيان بمرشح مؤيد له، سواء كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الأوفر حظاً حالياً، أو أي شخصية أخرى. فقبول الفراغ شرطه أن يكون الحزب قادراً على إيصال هذا المرشح إلى قصر بعبدا، ما يعني – كخلاصة – أن فرنجية لن يأتي إلا بعد فراغ يتأكد الحزب أنه سيضمن له مرشحه كما حصل مع عون.
لكن تخطي فكرة الفراغ يصل إلى سيناريو آخر. فوسط مخاوف معارضي حزب الله وتخوفهم من تكرار تجربة الإتيان برئيس من قوى 8 آذار والذهاب إلى انتخابه في لحظة إقليمية ودولية حساسة تشكل صداماً مع دول غربية وعربية، تبرز قراءة مختلفة تماماً، تتحدث عن أن حزب الله قد لا يجد مانعاً من حصول تسوية لانتخاب رئيس للجمهورية. وهذه التسوية ستخرج من إطار أسماء مرشحي قوى 8 آذار أو حلفائه، كما أنها لن تكون لمرشح معارض لحزب الله.
في هذه القراءة المبنيّة على واقع معلوماتي، أن حزب الله يعيد استطلاع الواقع المحلي من زاوية مختلفة عن تلك التي سبقت انتخاب عون رئيساً، بدليل إحدى المفارقات الأخيرة بإعادة فتح الأبواب التي كانت نصف مغلقة مع قائد الجيش العماد جوزف عون. لا يجد الحزب مبرراً لإعادة تكرار الفراغ لأكثر من سنتين وشد الكباش المحلي الداخلي من أجل إيصال مرشحه، وهو في الأصل لم يقطع وعوداً نهائية ومسبقة كما فعل مع عون. كل ما يحيط بالواقع الداخلي مختلف عن المرحلة السابقة، وكذلك موقف الدول المعنية، وهو يدرك تماماً أن الذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية من طرف واحد، واستطراداً حكومة من لون واحد ورئاسة مجلس نواب، تعني وضع البلد في مواجهة مكشوفة مع الخارج. صحيح أنه اعتاد ذلك، إلا أن اختلاف الظروف وإطار المفاوضات الإقليمية يجعل قرار اللحظة الأخيرة مختلفاً. إضافة إلى أن الأسوأ من ضغط الخارج، تحوّل المواجهة مع الداخل، الذي زيد عليه سياسياً، واقع اقتصادي واجتماعي متردٍّ أصبح على فوهة بركان، ما يعني الدخول في مرحلة صدامية داخلية، من المستبعد أن يجد الحزب اليوم مصلحة في المغامرة والدخول فيها. فالحزب العارف بحجم الغليان الشعبي، يعرف كذلك أن الانقسامات السياسية حادّة ولا يزال يجري تغليفها بقشرة توافق هشة، لكن قد يُعبَّر عنها في لحظة صدامية. وإذا ما جرى فعلياً تخطّي نتائج الانتخابات النيابية في شكل أكثر حدّة يجعل البلد ساحة انقسام مكشوفة، فإن ذلك يسمح باستدراج تدخلات خارجية، على غرار سنوات سابقة، ما يطرح السؤال عن مصلحة حزب الله في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالذهاب في تحديات خارجية غربية وعربية تدفع إلى زيادة التفتيت الداخلي؟
من هنا، ثمة واقع جدّي يتحدث عن أن أي طرح تسوية جدّية قد يوضع على الطاولة أمام الحزب وإيران، كما حصل في الدوحة، قد لا يكون الباب مقفلاً أمامها. وهذا يؤدي إلى بدء جوجلة أسماء تسوية خارج الاصطفاف الحالي، ما يعيد خلط الأوراق الرئاسية. لا يعني ذلك أن حزب الله تخلّى عن مرشحه أو مرشحيه، فيما خصومه باتوا لا يتحدثون إلا عن فرنجية رئيساً، أو بالحد الأدنى أي مرشح من الصف الثاني موال للحزب، لا سيما أن أي فراغ رئاسي لن يتبعه سوى اختيار مرشح الحزب وحيداً. إذ لا يقدر الحزب على ابتلاع أي تسوية بعد فراغ تنجم عنه تحديات وشروط وشروط مضادة، ولن يتحمل فكرة خسارة مرشحه، ما يفترض الدخول في تسويات مبكرة، تعني في ما تعنيه أن يقبض الحزب ثمنها في الداخل والخارج. ما عدا ذلك، فالسيناريو الآخر موجود. لا رئيس للجمهورية إلا من فريق 8 آذار.