Site icon IMLebanon

علبة لبنة مقابل لا شيء

كتب مارك صيقلي في موقع “Ici Beyrouth”:

باختصار هذا هو الخيار المتروك أمام البنانيين. إمّا توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو الاكتفاء بالخبز الجاف والماء لمدى الحياة.

يتفق الجميع على أنّ البلد منهك. لذلك فإنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لأمر ضروري، مع أنّ إتمامه يتوقّف على الشروط  المقدّمة. إلّا أنّ هذه الشروط غير مستوفاة حتّى الساعة.

ما هي المسألة موضوع البحث؟ في الوقت الراهن، تنصّ الاتفاقية الموقّعة بين الفنيّين على إمكان منح صندوق النقد الدولي لبنان مبلغًا يتراوح بين 3 و 4 مليارات دولار موزّعة على عدة سنوات. أي ما يعادل الأموال التي سينفقها لبنانيو الشتات في خلال شهري إقامتهم  في لبنان هذا الصيف، علمًا أنّ الخسائر تُقدّر بنحو 72 مليار دولار وسيتطلب إعادة تفعيل العجلة الاقتصادية 20 مليار دولار على الأقل.

علاوة على ذلك، “فالمساعدة” هذه مشروطة، إذ يتعيّن إجراء إصلاحات. وهنا تتعقّد الأمور أكثر فأكثر. فهل تستطيع طبقة سياسية غير مسؤولة، وعاجزة عن القيام بأدنى خطوة جديّة، الشروع في إصلاحات فعلية تتخطّى الوعود؟ الجواب لا، والسبب بسيط. فما يتظاهر صندوق النقد الدولي بتجاهله هو أنّ هذه الطبقة عينها، التي من المفترض أن تبدأ الإصلاحات، نهبت البلاد وابتزت المصرف المركزي والمصارف والمودعين في نهاية المطاف.

إلّا أنّه، وبحسب الخطط الحكومية المختلفة المُسرّبة إلى الصحافة، ستتكبّد المصارف في المقام الأوّل الخسائر والمودعون، الذين يمكن أن يعتبروا أنفسهم محظوظون لاستعادة فتات جنى حياتهم المهنية. وماذا عن الدولة؟ ستتنصّل كما كلّ مرّة. علمًا أنّ صيغة غير عادلة مماثلة لم تُطبّق في أيّ مكان في التاريخ الحديث.

ستتجلّى إحدى الحلول في عكس المساهمات في إنقاذ البلاد. أولاً، الدولة التي ستقوم بإصلاح مراكز الخدمة العامة الأبرز، من دون بيعها،  بشكل تغذّي عائداتها صندوقًا سياديًا يهدف إلى إنقاذ الخزينة. وبدورها أعربت المصارف دائمًا عن استعدادها للمساهمة في هذه الحالة.

لكن هل كل ذلك ممكن؟ لا تزال الإجابة سلبية. أولًا، من الناحية المالية. “إذ يبقى صندوق النقد الدولي المفتاح للحصول على أكثر بكثير من 3 أو 4 مليارات، ومن ثمّ سيجول على المانحين الدوليين الرئيسيين.” غير أنّ الاتفاقية الموقّعة لا تتضمّن أيّ بند يضفي الطابع الرسمي على ذلك. وبالتالي ما من شيء يضمن ذلك.

ولسبب وجيه، ففي حين يتخبّط البنك المركزي الأوروبي وسط أزمة طاقة وتضخم وثقة، تعاني ألمانيا من عجز وكذلك وفرنسا التي تعيش في ظلّ “اقتصاد حرب” بحسب الرئيس إيمانويل ماكرون. اليورو في حالة إنهيار. كما يتمّ ضخ مليارات الدولارات لأوكرانيا الفقيرة التي اعتدت عليها جارتها القوية. وثمّة حظوظ وفيرة في أن تنتهي هذه الأموال أيضًا في جيوب “الأقلية الحاكمة في سبيل الحرية” من الأوكرانيين، الذين يضاهي فسادهم فساد زملائهم الروس.

من سيقدّم المال للبنان؟ الأوروبيين ؟ إنهم مدينون لأجيال ويتساءلون عما إذا كانوا سيتمكنون من تدفئة أنفسهم في الشتاء المقبل، إذا أغلق فلاديمير بوتين ضخّ الغاز لأوروبا.

دول الخليج؟ مستحيل طالما شبابها غارق بالكبتاغون “المصنّع في لبنان” ويتعرّض للإهانة والتهديد على مدار الساعة من قبل بعض “اللبنانيين”.

الولايات المتحدة الأمريكية ؟ لن تقدّم دولاراً واحدًا طالما أن حزب الله يسيطر على البلاد، إلًا إلى الجيش اللبناني، الذي يُشكّل آخر مؤسسة ما زالت قائمة.

وهنا تكمن العقبة الرئيسة أمام أي ولادة جديدة للبنان.

هل يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتجاهل أن بلدًا يعيش فيه 6 إلى 7 ملايين شخص يمكن أن يجد نفسه بقرار بسيط من طهران مدمرًا جراء الحرب؟ دون أن يكون للدولة اللبنانية رأي في الموضوع. ألم يُهوّل الأمين العام لحزب الله بشبح حرب إقليمية قبل يومين؟

كيف يمكن لبلد أن يأمل في استعادة عافيته الاقتصادية عندما تتعايش دولتان وجيشان داخل حدوده؟

هل يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتجاهل أنّ جزءًا كبيرًا من الاستنزاف المالي في البلاد ناتج عن تهريب المنتجات التي يدعمها مصرف لبنان إلى سوريا وإعادة بيعها هناك؟

هل يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتجاهل حقيقة أن لبنان لم يعد فعليًا على خارطة القنوات المصرفية بسبب أنشطة حزب الله الذي يُصنّفه الأمريكيون وبعض الدول الأوروبية منظمة إرهابية ؟ هل يستطيع لبناني فتح حساب في أوروبا أو الولايات المتحدة من دون الحاجة إلى إثبات أنّه لا يغسل الأموال ولا يقوم بإتجار غير مشروع ؟

أيجهل صندوق النقد الدولي من يستفيد من الاقتصاد النقدي والموت المُخطّط للمصارف؟

ومن سينفذ الإصلاحات عندما يكون من المستحيل جباية أدنى فاتورة كهرباء أو غيرها في مناطق كاملة من البلاد؟

يعاني لبنان آفات متعدّدة. يتعيّن أن نتحلى بالشجاعة للتعامل معها بصورة مباشرة. خلاف ذلك، ستتحول البلاد إلى غزة أخرى، يحكمها أسياد الفوضى. أمّا الشباب والمثقفون… فسوف يغادرون بعيدًا حاملين علبة اللبنة المكسورة إلى الأبد.