Site icon IMLebanon

الفراغ ورئيس التسوية يسبقان المرشح التقليدي

كتب عمار نعمه في “اللواء”: 

بات من شبه المؤكد أن لا حكومة قريبة لا بل لا حكومة قبل استحقاق رئاسة الجمهورية الذي يبدأ عده العكسي فعليا منذ شهر أيلول المقبل.

والحال ان البلاد ما زالت حتى اللحظة خارج المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد. ومن المعلوم بأن ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون تنتهي في 31 تشرين الأول المقبل، لكن مجلس النواب يستطيع أن يبدأ بانتخاب رئيس جمهورية جديد إعتباراً من الأول من أيلول، وهو ما يتردد بأن رئيس المجلس نبيه بري سيعمد إلى محاولته عبر دعوة المجلس الى الإنعقاد في ذاك الشهر.

للتذكير، فإنه في حال لم يُوفق المجلس في انتخاب الرئيس في الأيام العشرة الأخيرة قبل 31 تشرين الأول،عندها يصبح المجلس في حالة انعقاد حكمي لانتخاب الرئيس. لكن بالنظر الى كل المعطيات الحالية فإن من المرجح بأن فراغاً رئاسياً في انتظار اللبنانيين، والسؤال ليس هنا، بل إلى متى سيستمر هذا الفراغ؟

البعض يرى أن الفراغ سيطول بينما يرى البعض الآخر بأنه سيقتصر على أشهر، في الوقت الذي تجزم فيه وجهة نظر أخرى بأن لا فراغ وبأن الرئيس سيُنتخب حكما!

في كل الأحوال الأمر في انتظار التطورات الاقليمية والدولية المقبلة.

ولطالما كان انتخاب الرئيس، مثل أي شأن كبير آخر، متعلق بالخارج، وإن كان تأثير الخارج يضعف كلما تعزز اتفاق الداخل، ولعل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2016 تشكل مثالا على ذلك، مع تقدير أن محور “حزب الله” في الداخل والخارج كان له الكلمة الحاسمة في منع انتخاب رئيس، أولا، ومن ثم في اختيار العماد ميشال عون، ثانيا.

وبذلك سيكون لحكومة تصريف الأعمال كلمتها في الحكم، وذلك للمرة الأولى في التاريخ اللبناني، والدستور قد نص على ذلك عبر اعتباره أنه في حال خلوّ سدة الرئاسة لأي علّة، فإن صلاحيات الرئاسة تُناط وكالة بمجلس الوزراء مجتمعا حسب المادة 62 من الدستور، والأخير لا يميز بين حكومة أصيلة وأخرى في إطار تصريف الاعمال ومستقيلة والتي من المنتظر أن تمارس صلاحياتها بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، أي بكل ما هو ملح وضروري، شرط ألا تُلقي أعباء مالية جديدة على الدولة وألا تُلزم الحكومة المقبلة بالتزامات لا يمكن الرجوع عنها..

أما بالنسبة الى هوية الرئيس المقبل، فإن المهم اليوم ليس الإسم بل طبيعة التسوية التي ستأتي بهوية الرئيس.

وعلى الرئيس المقبل أن لا يكتفي بإدارة الأزمة الحالية والكبرى في تاريخ البلاد، بل في اجتراح الحل أو المشاركة في ذلك على أقل تقدير.

وفي حال ذهبت المنطقة الى تسوية، كوننا لا نستطيع مقاربة ظروف المنطقة بعد أشهر كما نقاربها في هذه اللحظة، فإن حظوظ رئيس التسوية والتوافق ستكون الأكبر.

هذا الأمر يعني أن لا رئيس من أي محور، سواء أن يكون مقربا من “حزب الله” مثل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أو مخاصما بشدة له مثل رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي يهدف الى التوصل الى إسم يُتفق عليه بين معارضي محور “حزب الله” في سبيل مواجهة فرنجية بعد أن استبعد جعجع نفسه من السباق.

أما بالنسبة الى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فهو وإن كانت حظوظه قد تراجعت دراماتيكيا نتيجة العقوبات الاميركية وإخفاق العهد وحتى بعض الفشل للتيار في الحكم، فإن حظوظه اليوم ستكون مغايرة لتلك في الغد. ولذلك سيقوم بشراء الوقت بينما سيجهد لرفع العقوبات عنه التي ما كانت لتفرض لولا اصطفافه الى جانب “حزب الله” في وجه الضغوطات الاميركية وهو ما يعلمه الحزب تماماً.

بذلك سيكون لباسيل، في حال وصول رئيس جديد، حصته في الشروط التي سيفرضها على الرئيس الجديد والتي قد تكون مقيدة له. لكن المرجح هو أن باسيل لن يستسلم للأمر الواقع وقد لا تكون سوى مناورة الترددات حول دعمه لفرنجية في السباق لمنع رئيس متحالف مع “القوات اللبنانية”، وقد تكشف الايام المقبلة عن مفاجآت باسيلية تجعل منه ناجياً من طوفان الداخل والخارج إذ أن استبعاده من الرئاسة لصالح خصم ولو حليف، سيرسم استبعاده نهائيا من السباق في المستقبل لا سيما في مرحلة ما بعد ميشال عون التي قد تشهد خضّات تياريّة.

هذه الرؤية تتخذ تعزيزاً لها مع كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يستبعد كلامه تأييداً لرئيس حزبي مصطف بين محوري “حزب الله” مخاصميه، بما يمهد لرئيس على شاكلة فؤاد شهاب أو الياس سركيس و”بروفايل” هؤلاء متواجد بكثيرة في نادي المؤشحين للرئاسة.

أما في حال عدم التسوية في المنطقة، أي بقاء الوضع على ما هو عليه كما هو الآن، قد يلجأ “حزب الله”، وهو خيار مستبعد النجاح في ظروف اليوم، إلى محاولة فرض رئيس تقليدي متحالف معه، خاصة مع هبوب رياح معادية له بدءاً من زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة. لكن لن يكون سهلا على الحزب القيام بما قام به لإيصال عون الى الرئاسة.

فقد باتت حسابات مجلس النواب مختلفة عن السابق وأصبح عبارة عن أقليات كبيرة على بعضها الإئتلاف لتشكيل أكثرية لازمة لانتخاب رئيس. وحتى إذا افترضنا واقعية ذلك، إلا أن التعطيل قد يأتي هذه المرة من المعسكر المخاصم للحزب في الداخل والمدعوم خارجياً في حال توفارت النيّة، ليمارس السياسة نفسها التي مارسها الحزب في ظل الفراغ الذي تلا انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 2014. والمسألة هنا ليست صعبة لإيجاد الثلث اللازم لتعطيل جلسات نصاب انتخاب الرئيس.